ياسر الفادني يكتب…. حين تخرّ الجبابر لصوت الرضيع السوداني !!
كلما انكسروا، عادوا بفعل أشد انكسارًا، كأنهم يصرخون للعالم: نحن مهزومون، ضائعون، بلا هدف ولا كرامة، يندسون خلف الدخان، خلف ركام المباني التي أكلتها نيران القوات المسلحة السودانية، نيران تصيبهم بالمئات، بل بالمئات من الهزائم والانهيارات النفسية قبل أن تصيب أجسادهم، وكلما هلكوا في ساعات، دسّوا خيباتهم في قاع الصمت، كأن العالم لا يرى أو لا يريد أن يرى، لكنهم يجب أن يعلموا، يجب أن يدركوا أن هذا الشعب العظيم قد حدد وجهته تمامًا، ووقف وقفة رجل واحد مع قواته المسلحة، وقفة لا تزعزعها المدافع ولا تخدشها شظايا المرتزقة
لن تلين لهذا الشعب قناة، ولن تنكسر له عزيمة، اعتاد الحياة في أحلك الظروف، بل إنه في عمق المأساة ظل يدور مع عجلة الإنتاج، لأن إرادته لا تعرف التوقف، وكرامته لا تعرف التنازل، الشعب السوداني لم يعد كما كان، صار أكثر وعيًا، أكثر شراسة في الدفاع عن وجوده، عرف أنه لا أحد سينقذه غير ذاته، لا بيانات باردة، ولا مؤتمرات خجولة، ولا أصوات ترتجف وهي تدين الجرائم
الصمت الدولي يشبه عاهرةً تضع مساحيق الحياء، وهي في داخلها أقذر من أن توصف، كلما ارتفعت صرخاتنا، زاد صمته، لأنه صمت مدفوع الثمن، صمت له جيب عميق وضمير ميت، لكننا لسنا بحاجة له، لسنا بحاجة لشفقة الغرب ولا دموع الأمم، نحن نعرف من نكون، نعرف كيف نحمي أرضنا، وكيف نبنيها من تحت الرماد
الشعب السوداني عرف أن المجنزرات المستوردة ما جاءت إلا لتدميره، وأن المليشيا ما هي إلا أداة قذرة لدويلة قذرة تريد أن تفكك أوصالنا، لكننا لم نعد نُخدع، دمنا أغلى من مؤامراتهم، وعزيمتنا أصلب من سكاكينهم. شعبٌ وقف مع جيشه، جيشٌ من ترابه، من صلب أمهاته، يقاتل لا ليقتل، بل ليمنع القتل عن أرضه وعرضه
هذا التاريخ، وهذا الحاضر، وهذا المصير، نحن قوم كتب التاريخ عنهم: لا ينكسرون، لا يُؤسرون، لا يركعون. نحن من يزرع تحت النار قمحًا، ويزرع تحت القصف أملاً، نحن من يعرف أن المعنويات هي وقود الانتصار، وأن الفروسية ليست شعارًا بل سلوك حياة
سيموت كل يوم من أرادوا لنا الموت، وتحفر لهم قبورٌ من لهب، حفرة من نار جهنم تليق بهم، أما شهداؤنا، فنحفر لهم قبورًا فيها أبواب الجنة مشرعة، لهم المجد، ولنا السير على دربهم
وكما قال أحد شعراء العرب في صبر الرجال وقوة الإرادة
ولقدْ أبُدتُ الناسَ حتى قيلَ لي
أنـكُ يا عنترُ أنتَ للموتِ مَرْجِعُ
فصبرتُ حتى يعلمَ الناسُ أنني
على الموتِ أصبرُ من حِسامٍ مُقطّعُ
هذه ليست مجرد كلمات، إنها صرخة أمة، قَسَم جيل، وراية نصر نُثبتها على ساريات الوطن. لا ننهزم، لا نُكسر، بل نُولد من الرماد، ونحمل في صدورنا وطنًا لا يشيخ، وكرامة لا تموت.