مقالات الظهيرة

محمد الطيب عابدين يكتب… القضية!!

*و تسمعُ أشاوس القتل السريع، يتصايحون، تنتفخ الأوداج، يتطاير البصاق النتن، تتعرق الجباه المتسخة المغبرة، يسيل الزبد الأبيض المصفر من جنبات الفم كريه الرائحة : إما النصر أو الموت من أجل ( القضية )، نحن فداءً للقضية، لن نتخلى عن القضية . ما زال الأشوس القاتل المغتصب، يردد القضية .. القضية، حتى ظننت أن له قضية، هل هي قضية سياسية، عسكرية، أم قضية إجتماعية؟ .. و ما القضية ؟*

 

*القضية السياسية*، العسكرية، والإجتماعية هي ثلاثة مجالات رئيسة تؤثر على حياة الأفراد والمجتمعات بطرق مختلفة:

1. *القضية السياسية*:

– تتعلق بإدارة وتنظيم شؤون الدولة والعلاقات بين الأفراد والحكومة.

– تشمل الانتخابات، التشريعات، السياسات الحكومية، والعلاقات الدولية.

– قضايا مثل حقوق الإنسان، الحريات المدنية، ومحاربة الفساد تندرج ضمن هذه الفئة.

2. *القضية العسكرية*:

– تتعلق بشؤون القوات المسلحة والأمن القومي للدولة.

– تشمل النزاعات المسلحة، الدفاع الوطني، الاستراتيجيات العسكرية، وتطوير التكنولوجيا العسكرية.

– يمكن أن تتضمن أيضاً موضوعات مثل التجنيد الإجباري، الإنفاق العسكري، والتحالفات العسكرية الدولية.

3. *القضية الاجتماعية*:

– تتعلق بشؤون المجتمع والرفاه العام للأفراد.

– تشمل قضايا مثل التعليم، الرعاية الصحية، الفقر، العدالة الاجتماعية، والإصلاحات الاجتماعية.

– تتناول حقوق المرأة، حقوق الأقليات، إدارة التنوع، الدمج الاجتماعي، والعنف الأسري.

 

هذه القضايا مرتبطة ببعضها البعض ويمكن أن تؤثر على بعضها البعض بطرق معقدة، *فهل للدعم السريع قضية من بين هذه القضايا، أو كلها ؟*.. سنرى

 

*في عام ٢٠٠٣م قامت قوات الحركات المسلحة الدارفورية المتمردة آنذاك، بمهاجمة مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور،* و ضربت مطار المدينة، و حرقت عدة طائرات؛ على إثر ذلك *أعلنت الدولة الإستنفار العام و طلب مقاتلين مدنيين لمساندة الجيش،* وإذ كان للشيخ موسى هلال دوراً مقدراً في حملة الإستنفار التي *إنضم فيها محمد حمدان دقلو مستنفراً مع الجيش السوداني و برفقته مجموعة من المقاتلين، ذات الإستنفار مع الجيش الذي ترفضه قوات القتل السريع و تعيبه الأن، بحجة عدم الزج بالمدنيين في القتال، وهي ، الدعم السريع ، تأتي نفس عار الإستنفار الذي تنهي عنه، من حواضنها المدنية، و تدفع أغرار الشباب المدنيين إلى ساحات الموت في الخرطوم و مدني و عموم الجزيرة، و ضواحي كردفان .*

 

*إنضم ( حميدتي* ) مدنياً إلى الجيش السوداني، و أُلحِق بهيئة الإستخبارات العسكرية في وحدة ( *إستخبارات حرس الحدود*) بدارفور، وظل يقاتل بشراسة و تفاني *دون أن يبدي حديثاً عن قضية له أياً كان نوعها .*

 

*في عام ٢٠٠٥م تم توقيع إتفاقية السلام بكينيا بضاحية و منتجع نيفاشا،* و إنصرفت الدولة للإهتمام بالحركة الشعبية لتحرير السودان، و قائدها *د. جون قرنق دي مبيور،* و أهملت رفقاء سلاح الأمس في دارفور، فأحس ( عرب دارفور ) و خصوصاً *حميدتي و مجموعته* بالإهمال و التراخي في مطالباتهم المالية و العسكرية .

 

 

*ظهرت مجموعات متمردة على الدولة و المؤتمر الوطني الحزب المتحكم،* مثل ( *حركة الجندي المظلوم* ) في الجنينة بغرب دارفور؛ و خرج *حميدتي و مجموعته مغاضباً إلى قريته ( أم القرى*) شمال مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور .

 

*في عام ٢٠٠٨م اعلن محمد حمدان دقلو تمرده الأول على الدولة،* و تحرك صوب قرية ( *السَرِجْ*) في منطقة بحر العرب التابعة لمضارب الرزيقات، و أعلن مطالبه :

١- *فك المرتبات المجمدة لقواته* .

٢ – *منحه رتب عسكرية له و لمجموعته* .

٣ – *اموال لتجنيد المزيد من المستنفرين المدنيين لقتال الحركات المتمردة* .

٤ – *سلاح جديد و عربات عسكرية* .

 

*لم يكن من بين مطالبه في ذاك الوقت، أي قضية وطنية أو غيرها .*

*إتصل حميدتي، في حالة تمرده الأول، بقائد حركة تحرير السودان، عبد الوحد محمد نور،* و كان إسم حركته ( *حركة حركة تحرير دارفور*)، حيث عدل الإسم جون قرنق دي مبيور إلى إسم ( *حركة تحرير السودان*) حتى تتماشى و تتناغم مع حركته؛ كان إتصال حميدتي بغرض الإنضمام إلى حركة عبد الواحد محمد نور ، *دون ان يعرف أهداف الحركة و القضية التي تحارب من أجلها، و من ضمنها محاربة مجموعات عرب دارفور التي ينتمي اليها حميدتي* ؛ حال توجس نور من حميدتي، و تخوف الآخير من نور، دون إكمال عملية الإنضمام .

 

*و بعد عدة تحركات و إتصالات من قيادات قبلية و أهليه، عاد حميدتي و مجموعته إلى حضن الجيش السوداني و تم تنسيبه إلى قوات ( حرس الحدود*) مستنفراً مدنياً و مقاتلاً مع الجيش السوداني .

*في عام ٢٠١١م حدثت الرئيس المخلوع عمر حسن البشير نفسه الأمارة بالسوء بتكوين قوة عسكرية خاصة به،* فطلب من حميدتي إحضار خمسة ألف مقاتل، فإذا بالآخير يحضر ستة ألف مقاتل، *و لم يكلف الرئيس نفسه بالسؤال من أين أتى حميدتي بهذا العدد الكبير بهذه السرعة ؟ .. و هل هم مرتزقة من أجل المال أم لهم قضية ؟ .. وهل هم جميعاً سودانيون ؟* .. و لم يُعد خطة لتأهيل و تدريب هذه القوات، و كيفية إدماجها في القوات النظامية للإستفادة من قدراتها القتالية العالية؛ *كل ما هناك أن الرئيس المخلوع كان يتباهى بأنه الرئيس الوحيد في الكرة الأرضية الذي يملك قوة عسكرية خاصة به، و أن ( حمايتي ) هو درعه الحامي الأمين* .

 

 

*تطورت مجموعة حميدتي سريعاً* حتى أصبحت تكنى ( قوات الدعم السريع )، و تحركت تبعيتها بذات السرعة، من جهاز الأمن و المخابرات، إلى الجيش، ثم تبعية مباشرة لرئاسة الجمهورية تحت إشراف الجاسوس الأعظم *طه عثمان الحسين،* و أصبح لها قانوني خاص؛ *حتى ذلك الأوان لم يعرف لصاحب و مالك الدعم السريع الأوحد، أي تنظير سياسي، و لم يطرح قضايا أو رؤى سياسية أو عسكرية أو إجتماعية.*

 

*بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨م المجيدة المسروقة،* أصبح صاحب الدعم السريع نائباً لرئيس مجلس السيادة، و القائد الأعلى لقوات الدعم السريع، و رئيس اللجنة الإقتصادية العليا لمعالحة إختلالات و تشوهات الإقتصاد السوداني؛ ثم تمدد مستولياً على كل مقار هيئة العمليات التابعة للمخابرات، و مُنح معسكرات جاهزة و بنى قواعد عسكرية،

و جهز ترسانة حربية بعضها لا يمتلكه الجيش السوداني، و صنع قوة مالة و اقتصادية لم يسبقه عليها متمرد؛ و *تحول إلى دولة داخل الدولة، و جيش موازٍ للجيش السوداني، فكانت كلمته هي العليا، وعده مناوي الحاكم الفعلي للسودان، الذي لا يرد له طلب، و لا يعصى له أمر، و يطلب الجميع وده و حبه و التقرب لجنابه؛ و لكنه وهو في حالتة هذه، منتفشاً.

مزهواً برتبته الوهمية و عصاته المسحورة كأنها حبال سحرة فرعون؛ لم يبد ادنى قول عن قضايا سياسية، أو حتى ملاحظات عسكرية، أو مطالب إجتماعية،* غير أنه كان كثير الشكوى من المكون المدني للحكومة، و أيضاً العسكري، و لم يخل حديثه من طرافة و سذاجة فطرية.

زادها ضعف تحصيله العلمي و المعرفي؛ *مثل : مطر الحصو ، كدايس الخرطوم ، الغانون ، و مصارعة الدولار في حلبة السوق العربي ، و الحكومة الماعندها جيش ، و البلد دي بلفها عندنا، و الما بكاتل ما عنده رأي … الخ .*

 

*طوال هذه الفترة لم يبن حميدتي مدرسة، أو مركز صحي، أو يحفر بئراً في دارفور و كل السودان، خلا مدرسة و مركز صحي في الزرق؛ فقد كان مشغولاً ببناء نفسه، و جيشه الخاص من أبناء عرب شتات الغرب الأفريقي، و بعض قبائل السودان الآخرى؛ سحب الشباب من مقاعد الدراسة و العلم، و حولهم إلى ( بندقجية*) يقاتلون دون حلمه بكرسي الرئاسة الذي كان ينظر إليه و يخطط للجلوس فوقه منذ أن صار قائداً و مالكاً و سيداً لقوات الدعم السريع؛ *لم يعلن عن قضية يتبناها و لا فكرة يعتنقها، ولا أهداف يرمي لتحقيقها، غير الذي استبطنه من خطط للوصول لحكم السودان .

 

*في أو حوالي ١٢ أبريل ٢٠٢٣م، احتل الدعم السريع مطار مروي و قاعدته العسكرية، و أسر الفصيلة العسكرية المصرية المتوجده في المطار منذ عدة سنوات، ثم دمروا الطائرات الحربية؛ و في يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣م شن الدعم السريع هجوماً على القيادة العامة للجيش السوداني، و مقر سكن رئيس مجلس السيادة، و كل القواعد و الأسلحة و المقار العسكرية للجيش و الأمن و الشرطة، و بدأ حربه معلناً قضيته الأولى وهي ( جلب الديمقراطية*) للسودانيين .

 

من الذي فوض دقلو و طلب اليه أن ليجلب لنا ديمقراطية ؟ ..

هل يعرف اصلاً معنى الديمقراطية ؟ .. واهل تأتي الديمقراطية من فوهات البنادق و صناديق الذخيرة، أم عبر صناديق الأنتخابات في عملية مدنية سلمية، جوهرها حرية الفرد لا قهره و قتله و نهب ماله و إغتصاب و بيع حرائره؛ هذه ( *الدقلوقراطية*) التي تنتح دماراً للبشر و الوطن .

 

*سرعان ما تطورت ( قضية*) حميدتي و رهطه، و أعلن أنه يحارب ( *الفلول*) و كيزان الحركة الإسلامية و حزبها المؤتمر الوطني، وهو صنيعتهم الخرقاء، و ربيبهم الذي اكل من خيرهم بالأمس و يريد اليوم قتلهم، *و لعله نسي أو تناسى أن دعمه السريع يعج بفلول المؤتمر الوطني، فلماذا لم يبدأ حربه بهم ؟ .. هي العصبية القبلية، و العنصرية الجهوية، و العطوية الجنيدية .*

 

*في إطار سعيه لتجنيد و إستنفار مدنيين للقتال معه من عرب الشتات، طور الدعم السريع خطابه التحريضي و دفع ( بقضيته*) إلى مراقي لم يبلغها متمرد قبله،

*من لدن جوزيف لاقو، و جون قرنق و خليل ابراهيم و محمد نور، و مني، و حتى عبد العزيز الحلو، إذ قرر أن ( كل ) الجيش السوداني هم فلول و كيزان الحركة الإسلامية و يجب قتاله و إبادته، و جعل قوات الدعم السريع مكانه،* فضحك منه حتى حماره الذي كان يسرجه في ( أم القرى ) و ( مليط ) الحبيبة، فالحمار يعلم أن بالجيش كيزان كما به حزب أمه، و شيوعيون، و بعثيون، و جله لا ينتمي لحزب؛ و ليس جيش كيزان كما يزعم حميدتي .

 

*أنتج العقل المدبر و المنفذ و الممول و الداعم لحميدتي و دعمه المتمرد، أنتج مصطلحاً جديداً بعد أن خبأ و ميض المقولات و المصطلحات الفاسدة السابقة؛ فجاء بأسوأ ما انتجه العقل التحريضي في كل الدنيا وهو ( الحرب على دولة ٥٦*)، وهو مصطلح يعني إزالة دولة السودان بالكامل، و إستبدالها ( *بدولة العطاوة الجنيدية*) . ١٩٥٦م هي دولة إستقلال السودان و حريته و سيادته، التي صنعها كل الشعب السوداني، و اقرها برلمانه من نواب دارفور و كردفان و الجزيرة و الوسط و الشرق و الجنوب و الشمال و الخرطوم؛ *

لم يكن الأزهري ( من كردفان ) و رفاقه الأماجد مناطقيون، او قبليون، او عنصريون، و لم يكن محمد أحمد محجوب حزبياً منغلقاً على قومه؛ بل كانوا إستقلاليون، قوميون؛ و دولة ٥٦ كانت سودانية كاملة السودنة، زينها ميرغني حسين زاكي الدين، مشاور جمعه سهل، و عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة، و زروق، و حسن جبريل سليمان، و جوشوا ملوال، و محي الدين الحاح حمد؛ فهل كلهم جلابة ؟ .. بل كلهم صناع دولة ٥٦ السودانية القومية .*

 

لأول مرة في تاريخ العالم تخرج جماعة تنادي بإزالة رموز و كيان دولة إستقلالها المجيد .

 

إنحط خطاب الدعم السريع إلى درك سحيق، معلناً *(قضية جديدة)* يحارب من أجلها، وهي ( *حربه ضد الجلابة*)، و الجلابة مصطلح شعبي يعني تجار الشمال الذين يجلبون البضائع لكردفان و دارفور، لم يكونوا دعاة حرب أو قتل او فتنة بين الناس، بل كانوا ( *جلابة للخير*)؛ ثم ينزلق العقل التحريضي الجهول المريض لينتج أقبح ما اخرجته فنون التحريض البشري، عندما ينعق بأنه يحارب ( *قبيلة الشايقية*) .. يا للهول كيف إستساغ منتجوا الأوهام هذا التعبير ؟ ..

كيف قبل حميدتي على نفسه المجرمة، و على أهله أن يكون مطية حرب ضد قبيلة كاملة بحجة أن ( *بعض*) أبناءها كيزان أو حركة إسلامية، أو قادة في جيش السودان ؟ .. هل ( *الكل*) يحاسب بجريرة ( *البعض* )، إذا كان ذلك ذنباً و جرماً أصلاً ؟ .

 

*لم يكن للدعم السريع ( قضية ) سياسية، أو عسكرية، أو إجتماعية، ترقى إلى مفهوم ( قضية )، و لكن كان له منتوج فكري خبيث، أنتجته عقول مدمره، هدفها الأول تحطيم الجيش السوداني، و تشريد شعبه، و إستبداله بقوات الدعم السريع، و سكان جدد، في أكبر عملية إزاحة و إحلال في التاريخ الإنساني .*

 

 

مع تحياتي ،،،

 

*محمد الطيب عابدين*

بري ايقونة الخرطوم

الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى