مقالات الظهيرة

صهيب حامد يكتب…. وأخيراً بعد تدخلها رسمياً في الحرب بضرب عاصمتنا الإدارية بورتسودان.. أي رهانات يحملها صراعنا الإستراتيجي مع الإمارات!!؟(٤-٥)

حسناً.. وكما أسلفنا في الحلقة الماضية ورغم حجم التأثير الجيوسياسي المتعاظم للإمارات ونهمها التوسعي وشراهتها لقضم موارد الشعوب الأفريقية عبر إمكانياتها كقوة شبه إمبريالية (Sub-imperial power) إستطاعت مراكمة وفورات إقتصادية أقل ما يمكننا وصفها بها أنها إسطورية.

ولكن من يدٍ أخرى فهل لم يزل النظام العالمي الذي أتاح لها كل ذلك بكامل عافيته إلى الآن؟.. أم أنه يشهد تراجعات لغير صالح القوة الإمبريالية الأساسية (الولايات المتحدة) والتي تعمل الإمارات في ظلها كوكيل إمبريالي صغير!؟..أم أن أي تراجع في هذا النظام العالمي الحالي من شأنه التأثير على القوة الإمبريالية المسيطرة سوف يخلق تأرجحاً مخلّاً بالنظام الدولي بله بالإمارات كقوة شبه إمبريالية!!؟.

بلا شك أن العالم اليوم يشهد متغيرات متعاظمة أبرزت الصين كمنظومة (جيوسياسية) متجاوزة للغرب (ليس الولايات المتحدة فحسب) ومتفوقة عليه!!. لقد كانت حرب الرسوم الجمركية (Tariffs) التي اندلعت بين الصين والولايات المتحدة في ٢ أبريل ٢٠٢٥م هي المؤشر الأساسي الذي

إبان بشكل واضح وجلي التفوق الإقتصادي الصيني على الإقتصاد الأمريكي وعدم إمتلاك الولايات المتحدة الأدوات الكافية للضغط على التنين الصيني بل إكتشفنا في ثنايا ذلك إنهيار السوق الأمريكي وركوعه الجلي مقابل إنتعاش إقتصادي صيني في نفس الفترة!!. كما أبان هذا الصراع أنه قد فات الأوان كثيراً كي تتمكن أمريكا من قلب إسطرلاب التفوق الصيني لعدة أسباب أولها هو قضية الدين الأمريكي الذي بلغ اليوم ٣٧ ترليون دولار.

فلقد أوضحت أزمة سندات الخزانة التي ظهرت إلى جانب حرب الرسوم أن المصدرين الآسيويين والمستثمرين السياديين هم ولعشرات السنين من كان يمول العجز في الدين الأمريكي عبر شراء سندات الخزانة الأميركية (Treatury bonds) بجزء من فوائض الميزان التحاري بينهم والولايات المتحدة حتى تحس هذه الأخيرة بوهم تعافي إقتصادي للإحتفاظ بسوق الإستهلاك الأكبر في العالم (الإستهلاك الأمريكي السنوي ١٨ ترليون دولار) واقفاً على رجليه!!. فلقد كشفت بلومبرج (Bloomberg) في عددها ليوم ٧ مايو ٢٠٢٥م أخطر تقرير إقتصادي هزَّ الأوساط الإقتصادية العالمية عموماً والأمريكية على وجه الخصوص كتبه المحلل الإقتصادي الأمريكي مات جونز (Matt Jones) الذي كشف أن المتغيرات الجيوسياسية الحالية بعد قرارات ترمب في ٢ أبريل إلى جانب ديناميات حركة العملة (Currency dynamics) يمكنها أن تقود إلى حركة بيع محتملة للدولار (Dollar sellings) في صورة تخلص من سندات خزانة أمريكية بقيمة ٢.٥ ترليون دولار من قبل المصدرين الآسيويين (Asian exporters) إلى جانب المستثمرين المؤسسيين (Institutional investors) وهو ما سوف يخلق إنهياراً (Avalanche) في سندات الخزانة الممول الرئيسي لأنشطة الحكومة الأمريكية!!. مثل هذه التقارير هي التي سرّعت من وتيرة التوصل لحل سريع بين الصين وأمريكا الأول من أمس بطاولة جنيف التي إنبسطت لحل هذه المشكلة بين كل من التنين الصيني والفيل الأمريكي.

 

وبعيداً عن بعض التكهنات التي ترجح أن الحرب الهندية الباكستانية الأخيرة (من جانب الهند على الأقل) كانت تآمراً أمريكياً لإغلاق الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني (China—Pakistan economic corridor) والذي يربط إقليم (شينجيانغ) في أقصى الغرب الصيني بميناء غوادار الباكستاني في إقليم (بلوشستان) المطل على بحر العرب والذي استأجرته الحكومة الصينية من الباكستان في إطار شراكة البلدين ضمن مبادرة الحزام والطريق (Belt & Road initiative). في مايو الحالي أعلنت الهند عمليتها العسكرية ضد الباكستان (Operation Sindoor) في أعقاب هجوم بعض المجموعات الكشميرية المسلحة على مجموعة سياح هنود. وفي ثنايا هذه الحرب حدث أمر ذو دلالة.

إذ أعلنت باكستان في ٧ مايو ٢٠٢٥م إسقاط ٥ طائرات تابعة للجيش الهندي ليتضح فيما بعد بإعتراف طرف ثالث أن ثلاث من هذه الطائرات من طراز (رافال) الفرنسية. الأكثر إثارة هو الإعلان الباكستاني أنهم أسقطوا الطائرات الفرنسية الأكثر تطوراً أروبياً بصواريخ من طراز PL15 الصينية ٥ ماخ المطلقة من الطائرات الصينية J10c من تصنيع شركة ( Chingdu aircraft Co. Ltd) لترتفع أسهم هذه الأخيرة في بورصة شنغهاي بنسبة ٦٢٪ ، وكي تنخفض أسهم شركة (Dassault) الفرنسية المصنعة لطائرات الرافال (Rafale) في المقابل بنسبة ١٠٪!!!. ومذ ذاك سرت حمى الطلب على الطائرة الصينية والتي إتضح أن صاروخها ذي السرعة ٥ ماخ بمدى ٣٠٠ كيلو يمكنه الضرب خلف مستوى الرؤية عبر الكشف الراداري وهو ما لا يتوفر لأي طائرة مقاتلة غربية!!.

 

إذن فلقد كانت الحرب الهندية الباكستانية هي بالأصل حرب أمريكية صينية بالوكالة (Proxy War) لتحقيق أهداف البلدين في إطار توتر معلن. أمريكا كانت تظن أن بمكنة الهند إحتلال الشطر الباكستاني المحاذي للحدود الصينية وإغلاق الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني وخنق الإقتصاد الصيني عبر أهم نقاط إختناقه (Chokepoint) إنطلاقاً من باكستان.

 

بينما إهتبلت الصين الحرب كي تجرب سلاح طيرانها الأحدث ممثلاً في الطائرة (J10c) وصاروخها (PL15) ٥ ماخ وهو الأمر الذي أكده تواجد فريق الخبراء الصيني الذي هرول من مدينة شيندو (Chingdu) الصينية عاصمة إقليم سيشوان (Sichuan) لغرفة التحكم قرب (إسلام أباد) كي يشارك في إدارة المعركة الجوية التي كانت أول إختبار لطائرة حربية صينية ضد عتاد حربي غربي ممثلا في الطائرة الأوروبية الأكثر تطوراً (Rafale). لقد أرّخت معركة يوم ٧ مايو ٢٠٢٥م بين الهند وباكستان للتفوق الإستراتيجي الصيني في مجال الحرب بشكل عملي شهده العالم أجمع ، وهكذا كي ترتفع الطلبات على السلاح الإستراتيجي الصيني على حساب السلاح الغربي في إنتصارٍ إقتصاديٍ إستراتيجيٍ مزدوج.

 

وهو ما حدي بالرئيس ترمب بالتدخل الفوري والضغط على الهند للقبول بوقف فوري لإطلاق النار قبل أن تتفاقم فضيحة أدوات الحرب الغربية إزاء العتاد الحربي الصيني حيث يبدو أن ميزان القوة الإستراتيجي في العالم قد ترجّح وبشكل نهائي لصالح الشرق على حساب الغرب وهو ما سوف يرجح إحتمالية إستعادة الصين تايوان في أقرب من الوقت الذي حدد من قبل (٢٠٢٨م).

 

وإذا ما تضافر التفوق الجيواستراتيجي الصيني كما أوضحنا في أعلاه بخصوص الحرب الهندية الباكستانية مع الإنتصار الإقتصادي الصيني الباهر في حرب الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، يتبقى أن ندمج مع ذلك الفشل الأمريكي في الحصار التكنولوجي الذي حاولت أمريكا فرصه على التنين الصيني منذ العام ٢٠١٩ ليتبين لنا (الرهان القادم) الذي تمثله الصين والذي يعلِن بشكل مدوٍ إنتقال راية التفوق الحضاري من الغرب للشرق بلا مواربة ولا مغالاة!!. فلقد أعلنت إدارة ترمب ومنذ العام ٢٠١٩م إنها بصدد حرمان الصين من أهم أدوات السباق في مضمار الرقائق والذكاء الإصطناعي. لقد حظرت الإدارة الأمريكية على شركة (TSMC) التايوانية بيع الرقائق الفائقة (أقل من ١٢ نانوميتر) للصين ، ف (TSMC) هي الأكبر في العالم في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية خصوصاً الحجم النانوي الصغير. وبالطبع فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي السوق الإستهلاكي الأول لجوهرة التكنولوجيا التايوانية (TSMC) و المجال الأهم الذي يدر عليها موارد طائلة ، إلى جانب أن الجيش الأمريكي هو الضامن الأول لأمن وسلامة تايوان من التغول الصيني ، لذا لم يكن من مناص أمام التايوانيين سوى الإنصياع للأمريكان في هذا الصدد. وهو ما فعلته الإدارة الأمريكية كذلك مع شركة (ASML) الهولندية للحيلولة دون إتمام صفقة بيع آلات الطباعة الحجرية الطيفية فوق البنفسجية المتطرفة (EUV) المستخدمة في صناعة الرقائق أقل من ١٢ نانو مع الصين!!!. لقد قامت شركة (ASML) الهولندية من قبل بتصنيع آلات الطباعة الحجرية الطيفية فوق البنفسجية العميقة (DUV) للصين دون إعتراض أمريكي.

 

حيث أن هذه الأخيرة تستخدم لصناعة الرقائق إلى ١٥ نانوميتر وليس أقل من ذلك وهي رقائق تستخدم في المعدات الأقل جودة مثل الثلاجات والغسالات والسيارات فحسب ، ولكن دون الشرائح ذات الحجم النانوي الأقل فلن تستطيع الصين صناعة أجهزة ذات حساسية وقدرة عالية خاصة الأسلحة والطائرات والحواسيب والموبايلات.

 

وهنا إعتقدت أمريكا والغرب أنهم قد إنتصروا على الصين بالفنية القاضية. ولكن في سبتمبر ٢٠٢٣م وفي ثنايا زيارة وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو للصين فاجأت شركة هواوي الصينية العالم بإطلاق جهاز (Mate 60 Pro) ذي الرقاقة ٧ نانو ، وبالطبع قصدت الصين إحراج الوزيرة الأمريكية المختصة بأن لا طائل وراء العقوبات الأمريكية للحد من قدرات الصين التكنولوجية. ليس ذلك فحسب بل كذلك أعلنت هواوي في مايو ٢٠٢٤م انها وبالتعاون مع شريكها الوطني (SMIC) قد تمكنت من إنتاج جهاز (Mate 70 Pro) بشريحة ٥ نانو!!!.

 

إذن فلقد فشلت كافة العقوبات الأمريكية في إحباط التفوق الصيني في مجال الرقائق الإلكترونية. وليس ذلك فحسب ، بل إستطاعت الصين كذلك أنتاج الشريحة الأعلى قدرة في مجال الذكاء الإصطناعي (متفوقة على شريحة إنفيديا) وإطلاق برنامج (Deepseek) متفوقاً على برامج الذكاء الإصطناعي الأمريكية مثل (ChatGPT) وهكذا كي نضيف أخيرا هذا التفوق التكنولوجي الصيني على الغرب إلى جانب التفوق الإقتصادي والتفوق الجيواستراتيجي الذي فزلكناه في صدر مقالنا الكائن بين يديِّ القاري.

 

إذن وإذا ما أعتمدت الإمارات العربية المتحدة على صيرورتها المجيدة كقوة شبه إمبريالية (Sub—imperial power) في عالم كانت تسوده الولايات المتحدة الأمريكية كقوة إمبريالية وحيدة ، فإن ذلك العهد قد ولّى لغير رجعة ويتَوحب عليها (أي الإمارات) التواؤم مع متغيرات عالمية جديدة بإنتقال الريادة شرقاً بله إعادة تعريف منظومتها الجيَوسياسبة التي كانت تدار بوصلتها صوب الولايات المتحدة وإسرائيل!!. إذن ليس من مناص أمام صناع القرار ببلادنا سوى الإنتباه لهذه المتغيرات على مضمار التعاطي مع التحدي الإماراتي وهو ما سوف نسهب فيه في حلقتنا القادمة..نواصل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى