مقالات الظهيرة

(درب التبانة)… د. الحسين تاج الدين احمد يكتب…عبقُ الذِّكْرى!!!

“يَا بنَ خَالتِي ، يا شاب يا جذَّاب ، يَا دُكتورُ “، مازالتْ هذهِ النِّداءاتُ يَتردَّدُ صَدَاها فِي أُذُني كُلَّما ذُكِرَ أَبُو  يُوسُفَ يَظُنُّ القارئُ لوهلةٍ أنّها نداءاتٌ سواءٌ لكنَّها مُختلفةٌ منْ حيثِ اللغةِ و المعني،.

و لكنَّ المناديَ كانَ يقصدُ بها مناسباتٍ مختلفةَ تتناسبُ والنداءُ سواءٌ حيث كان يعرفُ الشهيدُ قدرَ كلِّ مَعنَىً وَاسْتخدامِه فهوَ ابنُ الخالةِ الَّذي عَرفَ حقَّ الرَّحمِ وأفردَ لهُ مساحةً واسعةً من التَّواصلِ بقدرٍ من التواضعِ و المحبةِ فهو ابنُ خالتِنا نراهُ يصولُ و يجولُ في المناسباتِ، تناسي لقبهُ العلميَّ و ترفَّعَ عنه احترامًا وتقديرًا لهذهِ الرَّحميَّة، ومعرفتُه  بقدرِها.
كانَ مرشدًا وموجّهًا بلغةٍ بسيطةٍ يعرفُها الكلُّ على سواءٍ، يخطّطُ معنا لأصغرِ المناسباتِ
ويُبدي برأيهِ بكلِّ بساطةٍ.

لقد شبَّ هذَا الشَّابُّ متعلمًا ذا خلقٍ رفيعٍ يتنازلُ عن كلِّ شئٍ منْ أجلِ أهلهِ، يفعلُ كُلَّ شئٍ لنشيجِ الرَّحمِ.
لقد أدركَ القريةَ منْ هاويةِ الصِّراعِ والاختلافِ والفتنةِ عندمَا تنازلَ طواعيةً،  وأبى أن يكونَ قائدًا على جَماجمِ  أهلهِ وعشيرتِهِ؛ عندما ترفَّعَ عن رِئاسةِ المجالسِ واللِّجانِ؛ كونَ ذلكَ يُحدثُ خللًا في العشيرةِ ويخلقُ شرخًا بينهم على الرُّغمِ من مَقدرتِه العلميّةِ والاجتماعيةِ التى تُوصّله إلي ذلك . خَالَفَهُ اَلْبَعْضُ منْ أجلِ المصالحِ الضيقةِ، لكنهم يَعرفونَ آراءَه السّديدةَ كأنّما يرمقُ الغيبَ بعينٍ بصيرةٍ.
لا يُعرفُ قدرُ المرءِ إلا حينَ يُفقدَ، وقد فقدنا شابًّا مفكّرًا متّزنًا!!!!!!

لا يعرفُ الماءُ قدرَ اليابسةِ إلا حين يرتطمُ بالصّخُورِ، وأصدرَ ضجيجًا، ذلكم أبو يوسف يا سادة يهوى الكل سماعه حين ينبري للحديثِ ويصلحُ ويُقوِّمُ ويقدّمُ النّصحَ؛ ذلك لأنّه شابٌّ صالحٌ في نفسِه مُصلحٌ لغيرِه، يُفردُ له الآخرونَ مساحاتٍ لينهلوا منْ علمِه، لكنّ أنصافَ المتعلمينَ مازالوا مصرِّين على رفضِ التّغييرِ تحتَ المثلِ السُّوداني الشَّائعٍ “فنّانُ الحيِّ لايُطربُ”.

أطربْ أبا يوسفَ آذانَهم بسديدِ الرَّأى، لكن هيهاتَ أنْ تعيَ القلوبُ والعقولُ منْ المصالحِ الدنيويةِ الضيقةِ، وما عرفوا قيمتَهُ إلا بعدَ أن تركَ الدنيا، وأصبحَ مكانُه شاغرًا، وتمنُّوا لو يكونُ حاضرًا ” وعند الشدائد يعرف الرجال”.
….. أتتِ الحربُ وكانَ نعمَ الرأى واتَّحدَ الجميُع على رأيِه الرشيدِ …… قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة: ” واللهِ إنَّكِ لأحبُّ البقاعِ إلى اللهِ ثمّ إليَّ، ولولا أنّ أهلكِ أخرجوني منكِ ماخرجتُ.
… خرجَ أبو يوسفَ منْ مجالسِ القريةِ طواعيةً على الرُّغم منْ دفاعِه عنْها، وأصبحَ سراجَها المنيرَ، ويكفي شرفًا أن قُرن اسمُه بمدرعاتِ الشّجرةِ التى آثرَ وقدّم نفسَه رخيصةً للسُّودانِ الكبيرِ، كما قدّمَ تنازلاتٍ حفاظًا لقريتِه الصغيرةِ …… ويا ليتَ قومِي يعلمونَ …
عرفنا قدرَك أبا يوسفَ (النعيم يوسف عباس) ، وشهادتُنا فيكَ مجروحةٌ.
ويبقي عبقُ الذكري دربَ تبانةٍ واضحَ المعالمِ.  وسيأتي بعدَه كُثُرٌ بإذنِ اللهِ فقريةُ الحاجابِ ولادةٌ.

مع تحياتي
د. الحسين تاج الدين احمد
الدوحة .. قطر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى