مقالات الظهيرة

السودان بين تحديات المرحلة… والتجاذبات السياسية

الظهيرة – هشام محمود سليمان:

يمر السودان بمرحلة استثنائية من تاريخه حيث تتشابك التحديات الأمنية والسياسية في ظل صراع مستمر بين مختلف القوى الفاعلة في المشهد.

وجاء خطاب رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ليحدد ملامح الفترة التأسيسية القادمة مؤكدا أنها لن تخضع لهيمنة أي حزب بل ستدار بحكومة تكنوقراط مستقلة تُوصف بأنها ( حكومة حرب ) إلا أن هذا الخطاب لم يمر دون إثارة الجدل فقد اختلفت ردود الفعل بين من رأوه خطوة ضرورية لإرساء الاستقرار.

ومن اعتبروه محاولة لإقصاء بعض الأطراف السياسية وفي خضم هذا الجدل يظل التساؤل الأهم هل يمكن للسودان أن يتجاوز صراعات الماضي ليؤسس لمرحلة جديدة أكثر تماسكا؟

إحدى النقاط اللافتة في التفاعل مع خطاب البرهان هو الاختلاف بين مواقف القوى الإسلامية في الداخل والخارج فبينما التزم شباب الحركة الإسلامية الذين يخوضون المواجهات في السودان الصمت.

جاءت ردود الأفعال الحادة من شخصيات المؤتمر الوطني التي تعيش خارج البلاد لا سيما في تركيا هذا التباين يثير تساؤلات حول طبيعة الحسابات التي تحكم مواقف الأطراف المختلفة فهل يتعلق الأمر بالدفاع عن حق سياسي مشروع أم أنه محاولة لاستعادة نفوذ مفقود؟ مهما كان الدافع فإن الواقع يفرض على الجميع إعادة التفكير في أولوياتهم لأن السودان اليوم يحتاج إلى تضافر الجهود للخروج من أزماته بدلا من الاستمرار في المناكفات السياسية

بقراءة متأنية لخطاب البرهان نجد أنه يسعى إلى تحقيق توازن في المشهد السياسي حيث لم يحظر مشاركة المؤتمر الوطني في العملية الديمقراطية مستقبلا لكنه شدد على أن هذه الفترة التأسيسية لن تكون تحت سيطرة أي جهة سياسية سواء من أنصار النظام السابق أو قوى الحرية والتغيير

هذه الرسالة تعكس محاولة لضبط ميزان القوى في مرحلة حساسة لكن التحدي الحقيقي يكمن في مدى إمكانية تنفيذ هذا الطرح على أرض الواقع فالتجربة أثبتت أن أي حكومة انتقالية تواجه ضغوطا من مختلف الأطراف فهل ستتمكن الحكومة المرتقبة من العمل باستقلالية فعلية؟

مصطلح ( حكومة الحرب ) الذي استخدمه البرهان يعكس واقعا يفرض ضرورة وجود سلطة تنفيذية قادرة على إدارة الأزمة الحالية لكن هذه المرحلة مهما طالت يجب أن تكون خطوة نحو حل سياسي شامل لأن استمرار الوضع الانتقالي دون رؤية واضحة قد يفاقم الأوضاع بدلا من حلها ان التحدي الأساسي هنا هو تحقيق التوازن بين إدارة المرحلة الراهنة بحكومة تكنوقراط وبين ضمان عدم تحولها إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية أو تأجيل الحلول الدائمة فالسودان لا يمكنه تحمل المزيد من المراحل الانتقالية المفتوحة التي لا تفضي إلى استقرار دائم

و في ظل هذه المعطيات يصبح من الضروري التفكير في مخرج حقيقي للأزمة يقوم على رؤية وطنية تتجاوز الحسابات الحزبية الضيقة السودان لا يحتاج إلى مزيد من الاستقطاب السياسي بل إلى توافق بين مختلف مكوناته بحيث تكون الأولوية لإنقاذ البلاد من الانهيار وليس للتنافس على السلطة

ولتحقيق ذلك لا بد أن تدرك القوى السياسية أن الصراع المستمر لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر وأن الحل يكمن في تقديم تنازلات متبادلة تضع السودان فوق المصالح الفئوية فالتاريخ أثبت أن الدول لا تنهض إلا عندما يكون هناك إدراك جماعي بأن الوطن هو الأولوية القصوى

المرحلة القادمة في السودان لن تكون سهلة لكنها قد تشكل فرصة لبناء مستقبل مختلف إذا أحسنت القوى السياسية استثمارها بحكمة فإما أن يتحقق توافق وطني يضع حدا للصراعات أو يستمر السودان في دوامة الأزمات التي يدفع ثمنها المواطن البسيط قبل أي طرف آخر.

*orfaly6666@gmail.com*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى