مقالات الظهيرة

ياسر الفادني يكتب…. لم أقل…. ولكن التاريخ قال !!

كل الذين اعتلوا كراسي الحكم في السودان، وقرروا أن يفتحوا معركتهم الأولى مع الإسلاميين، إنتهوا إلى ذات الهاوية، لم أقل هذا تطبيلًا ولا أكتبه مجاملة، ولكن لأن التاريخ قاله مرارًا.

ثم عاد وقاله في وضوح صارخ، لمن أراد أن يرى، الإسلاميون كما يحلو للبعض تسميتهم … لم يكونوا جماعة طارئة ولا ومضة عابرة في سماء السياسة السودانية، بل تيار مترسخ، متجذر، يمتد بعمق في بنية الدولة والمجتمع، هم تنظيم، فكرة، ذاكرة، خبرة، وعقيدة تنظيمية نادرة، من خاصمهم سقط، ومن إقترب منهم بذكاء نجا إلى بر الأمان

 

المأساة أن ساسة هذا البلد لا يقرأون التاريخ إلا كمن يقرأ كتاب طُلب منه تلخيصه لإمتحان ، لا كتجربة مليئة بالعِبر والمآلات، كل الحقب التي حاولت  إستئصال هذا التيار،  إختنقت برمادها قبل أن تبلغ النار ، أما الذين توهموا أن العواصف العابرة ستقتلع جذور الإسلاميين، فقد جرّبوا ثم عادوا بخفي حنين، أو لم يعودوا أصلًا

عبد الله حمدوك لم يفشل لأنه بلا كفاءة، بل لأنه توهّم أن التيار الذي حكم ثلاثين عامًا يمكن أن يُجتث بلجنة التمكين وبيانات شعرية بلا أدوات حقيقية ، أخطأ التقدير، وظن أن الشرعية الدولية والتصفيق الخارجي سيغنيانه عن المعركة الداخلية، عاد الإسلاميون، لكنهم عادوا أكثر هدوءًا، وأكثر تنظيمًا، بينما سقط من حاول إقصاءهم دون أن يجد من يذرف عليه دمعة

 

الحقيقة التي قالها التاريخ – لا أنا – أن للإسلاميين قاعدة إجتماعية لا يُستهان بها، ومخزونًا فكريًا وتنظيميًا يجعلهم قادرين على تغيير جلدهم دون أن يغيروا جوهرهم، هذا التيار لا يموت، بل يختبئ، يراجع، يُرمم صفوفه، ثم يعود بخطة جديدة، وبأدوات تختلف عن التي سبقتها، هو تيار لا يراهن على لحظة، بل على مشروع طويل النفس، عابر للوجوه والحكومات،

كل من يأتي إلى حكم هذه البلاد، ويقرر أن يصادم هذا التيار، ستكون نهايته السقوط المريع. لا لأن الإسلاميين يمتلكون مفاتيح السماء، ولكن لأن خصومهم يفتقدون مفاتيح الواقع، الذين يحكمون لا يدرسون المزاج العام، ولا يدركون معادلات القوة الناعمة والخشنة في البلاد، يغترون بضجيج الإعلام وصفحات التواصل، ويغفلون عن شبكة المساجد، والعلاقات الإجتماعية، والعمق الريفي، والتنظيم الطلابي، وقادة الفكر، والتمويل الذاتي

 

إني من منصتي أنظر …حيث أري …. أن للسياسة دروب، ولها قراءات قريبة وبعيدة والذكي هو من لا ينكش عش الدبابير، بل يتعايش مع النحل، يعرف متى يقترب، ومتى يبتعد، ومتى يصمت ليصغي لصوت الواقع، هذه بلاد لا تحكم بالضجيج، ولا بالإقصاء، بل بالحكمة، وبالقدرة على إدراك أن بعض التيارات لا تُلغى، بل تُدار

لم أقل، ولكن التاريخ قال… فهل من سامع؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى