مقالات الظهيرة

ياسر الفادني يكتب…. في حضرة الرجولة …تتكلم الجزيرة

في زمنٍ يتراجع فيه الضوء، وتنهار فيه القيم تحت ركام الحرب والخذلان، تنهض الجزيرة كأنها من ماءٍ ونار، تبعث الحياة في جسد الوطن المثخن بالجراح، بينما يتوارى البعض خلف أعذار الخوف والعجز، يظهر رجال الجزيرة.. لا يصرخون، لا يطلبون مجداً، فقط يفعلون ما يليق بالشرفاء

بالأمس، أثلج جهاز المخابرات العامة صدورنا بمبادرته النبيلة لترحيل طلاب الشهادة، خطوة عظيمة تؤكد أن الوطن لا يزال في قلوب من يعرفون كيف يكون الانتماء فعلاً لا قولاً ولكن ما كادت حرارة هذه المبادرة تخبو، حتى جاء من يعيد إشعالها دفئاً وإنسانية

الدكتور ياسر شبارقة، استشاري الباطنية والكلى وزراعتها، لم ينتظر قراراً ولا ضوءاً أخضر، أطلق مبادرة شخصية لعلاج طلاب الشهادة الممتحنين مجاناً. نعم.. مجاناً، لا حسابات للمال ولا للمنافع، فقط رجل آمن أن الطب إنساني قبل أن يكون مهنة، وأن الطبيب الحقيقي يمد يده حين يتراجع الجميع

هذه المبادرة لم تكن فقط موقفاً نبيلاً، بل كانت صفعة أخلاقية على وجه كل من تخلى عن واجبه، ودرعاً من نور في مواجهة العتمة، حين يعطي الطبيب من قلبه، فهذه رسالة أعمق من كل خطابات السياسة الفارغة، وأصدق من كل الوعود التي لم تجلب سوى الرماد

د. ياسر شبارقة لم يتحدث عن الوطنية، بل جسدها، ولم يرفع شعار “معاً نبني الوطن”، بل بادر وحده فصار رمزاً، وبهذا الفعل الصادق أعاد للطب قسمه المقدّس ووجهه النقي

أطباء الجزيرة.. هذا نداء إليكم ، من ضمير المهنة، من نبض الوطن.. لا تتركوا المبادرات تنطفئ، ازرعوا مثلها، فكل دواء تقدّمه اليوم هو بندقية في وجه الجهل والدمار، وكل يد تمتد للمرضى هي يد تكتب التاريخ من جديد

الجزيرة لا تموت، لأنها لا تسند ظهرها إلا لرجالٍ من هذا المعدن، الجزيرة باقية.. لأن فيها رجالاً لا يتكررون، يوقظون فينا الإيمان بأن الخير لا يُقهر، وأن السودان ما زال بخير، ما دام في أهله من يقول: أنا هنا.. لأجل الناس، لا لأجل نفسي.

صفقوا للجزيرة، وصفقوا لوطنيتها، وصفقوا لكل قلبٍ لا يزال نابضاً رغم الموت.. فالجزيرة لا تحتمي إلا برجالها، وهؤلاء الرجال لا يعرفون السقوط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى