عبد الله حسن محمد سعيد يكتب… تحليل خطاب وزير المالية!!
بين سطور خطاب وزير المالية
اللبنات الأولى لتعافي الاقتصاد السوداني.. برنامج حكومة لا مرشح لها..
تفاجئ الوسط السياسي بخطاب وزير المالية الدكتور جبريل ابراهيم الذي اعلن فيه عدم رغبته في تولي اي منصب وزاري في الحكومة القادمة ، ليفسح المجال لرئيس الوزراء الجديد لاختيار حكومته الجديدة رغم الاستحقاقات.
الخطاب لم يكن مجرد خطاب وداع .. بل كان وثيقة تعافٍ للاقتصاد السوداني يطرحها وزير لا يسعى للمنصب . بعد أداء مشهود لخمس أعوام قضاها وزيرا رغم التحديات باذلا جهده في وقت الأزمات الطاحنة ونقص الموارد ..
إن التحدي الحقيقي اليوم هو أن تتبنى الحكومة القادمة هذه اللبنات ، لا أن تبدأ من الصفر .. لأن الفرصة لم تعد تحتمل إهدارًا جديدًا للوقت أو الجهد .
ففي وقتٍ تترنّح فيه الدولة السودانية تحت وطأة الحرب ، والاقتصاد يئنّ من التدهور الحاد ، ونذر الحصار الاقتصادي ، خرج وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الدكتور جبريل إبراهيم بخطابٍ مفاجئ.
أعلن فيه عدم رغبته في تولي أي منصب وزاري في الحكومة القادمة . لم يكن هذا الإعلان مجرد انسحاب سياسي ، بل حمل بين سطوره رسائل ذات بعد وطني واقتصادي عميق .
1. توقيت الخطاب ودلالاته السياسية : الخطاب جاء في لحظة مفصلية ، توازي مرحلة ما بعد الحرب في التحليل السياسي ، وتؤسس لمرحلة إعادة بناء الدولة . وربما غير المتوقع فيه ليس فقط قرار عدم الترشح ، بل طريقة التعبير التي اتسمت بالهدوء ، والتحرر من لغة الدفاع أو التبرير ، مع الاعتراف بحجم الأزمة ، وتأكيده بأنه أدى ما استطاع في ظل شُحّ الموارد .
2. عبارة محورية .. لبنات لتعافي الاقتصاد : العبارة التي قال فيها (أن نضع اللبنات الأولى لتعافي الاقتصاد الوطني، وتحقيق الاستقرار المالي ) لم تكن عابرة ، بل يمكن اعتبارها مانيفستو اقتصاديًا مبكرًا لما يجب أن تلتزم به الحكومة القادمة . فالكلام عن اللبنات الأولى يدل على أن الرجل يرى أن دوره انتهى عند مرحلة التأسيس أو محاولة الإنقاذ ، لا القطاف أو جني الثمار .
3. الواقع الذي واجه الوزير :
من الإنصاف القول إن وزارة المالية كانت تعمل في بيئة غير مواتية حرب ، انقطاع الإيرادات ، تدمير المؤسسات ، شح المعونات ، وتراجع كبير في تدفقات النقد الأجنبي .
ومع ذلك ، لم يغفل الوزير عن مسؤوليته في محاولة تثبيت الاقتصاد ، ولو جزئيًا ، في ظل عجز حقيقي عن السيطرة على السوق الموازي ، أو تمويل الموازنة بوسائل مستقرة .
4. إشارة إلى مشروع اقتصادي وطني :
كلمة الوزير تصلح لأن تكون عنوانًا للمرحلة المقبلة ( التعافي والاستقرار ). وهذا يدعو القوى الوطنية ، والاقتصاديين ، وصناع السياسات ، إلى تأسيس رؤية اقتصادية انتقالية واقعية تبدأ من الاعتراف بالدمار ، وتمر بإجراءات التعافي ، ولا تتعجل الخطط الكبرى . فالمرحلة تتطلب إعادة الثقة ، لا الوعود الحالمة.
5. من خطاب شخصي إلى وثيقة عامة :
في زمن تتسم فيه التصريحات السياسية بالمكايدات أو التبرؤ من المسؤولية ، يُحسب للوزير أنه تحدث بلغة المسؤولية الوطنية ، واعترف بحجم التحدي ، وأقر بأنه لن يسعى للمنصب . هذا يضعه في مكانة مختلفة ، ويجعل من خطابه وثيقة انتقالية يمكن البناء عليها .
ختاما : ربما لن يكون الدكتور جبريل إبراهيم في الوزارة القادمة ، ولكن عبارته ستظل حاضرة ( أن نضع اللبنات الأولى لتعافي الاقتصاد ) ، لأنها ببساطة تعبّر عن المطلوب في المرحلة القادمة ( التعافي أولًا ، ثم الاستقرار ، ثم البناء .) وهي مسؤولية جماعية ، لا تحتمل المزايدة ، ولا تصبر على التأجيل .
إن التحدي الحقيقي اليوم هو أن تتبنى الحكومة القادمة هذه اللبنات الاساسية ، لا أن تبدأ من الصفر .. لأن الفرصة لم تعد تحتمل إهدارًا جديدًا للوقت والجهد .
لك الله يا وطني …..