مقالات الظهيرة

عبد الله حسن محمد سعيد يكتب… المشروع الأمريكي للتغيير الديمغرافي في السودان

قراءة تحليلية

تثار في الأوساط السودانية منذ سنوات اتهامات بوجود مشروع أمريكي يستهدف إحداث تغيير ديمغرافي في السودان ، بغرض إعادة تشكيل الخريطة السكانية والاجتماعية والسياسية بما يخدم مصالح استراتيجية في الإقليم . ورغم عدم وجود وثائق رسمية معلنة تثبت هذا المشروع كخطة أمريكية صريحة ، إلا أن هناك مؤشرات وتحليلات تربط بين السياسات الغربية (خاصة الأمريكية) والتطورات الجذرية التي يشهدها السودان .

1. خلفية سياسية وجغرافية

السودان يُعدّ من أكبر الدول الإفريقية مساحة قبل الانفصال ، ويتميز بتعدد عرقي وثقافي وديني فريد . وقد ظل هذا التعدد هدفًا لمحاولات خارجية لإعادة هندسته بما يخدم مصالح جيواستراتيجية كبرى ، على رأسها التحكم في منابع النيل ، والثروات الطبيعية ، والموقع الجيوسياسي بين العالمين العربي والإفريقي .

2. الانفصال كمقدمة للتغيير الديمغرافي

من أبرز النماذج التي يطرحها أنصار فكرة “المشروع الأمريكي” هو انفصال جنوب السودان عام 2011، الذي جاء بعد عقود من الحرب والتدخلات الغربية تحت شعار “السلام وحقوق الأقليات”. ويرى البعض أن هذا الانفصال كان أول خطوة عملية لإعادة ترتيب ديمغرافي عبر التقسيم الجغرافي للسكان .

3. سياسات النزوح واللجوء

الحروب المتعددة في دارفور ، جبال النوبة ، النيل الأزرق ، وأخيرًا النزاع في الخرطوم ، ساهمت في إعادة توزيع السكان قسرًا . ويتهم البعض واشنطن بأنها تدعم – مباشرة أو ضمنيًا – قوى مسلحة غير حكومية تؤدي إلى نزوح ملايين السودانيين داخليًا وخارجيًا ، ما يضعف البنية السكانية للمركز ، ويعيد تشكيل الخارطة العرقية والديموغرافية .

4. استقبال اللاجئين والمهاجرين الجدد

يُتهم المشروع أيضًا بأنه يسعى لإدخال عناصر سكانية جديدة ، خاصة من غرب إفريقيا وبلدان الجوار ، عبر دعم منظمات ومنصات إنسانية وتسهيل الحراك البشري ، لتغيير الهوية الاجتماعية والثقافية في مناطق معينة ، خاصة الإقليم الأوسط والساحل الشرقي .

5. دور المنظمات الدولية

تلعب منظمات دولية (كالأمم المتحدة، USAID ، ومنظمات مسيحية غير حكومية) دورًا في إعادة توطين مجموعات سكانية ، وتقديم الدعم لمجتمعات معينة دون غيرها ، مما يعزز اختلال التوازن السكاني ويؤثر على الولاءات والهويات .

6. البُعد الديني والثقافي

يرى بعض المراقبين أن هناك مشروعًا ثقافيًا تبشيريًا يرافق التغيير الديمغرافي ، يهدف إلى تحجيم الإسلام كهوية ديمغرافية جامعة ، وتعزيز الهويات المحلية أو العرقية أو الدينية المنفصلة ، بما يؤدي إلى تفكيك الهوية الجامعة للسودانيين .

7. الأهداف الاستراتيجية المتوقعة

• إضعاف الدولة المركزية عبر تفكيك الرابط الاجتماعي .

• تأمين مصالح أمريكية وإسرائيلية في البحر الأحمر ومنابع النيل .

• إقامة نظام سياسي هش يتوزع على أساس عرقي وجهوي .

• التحكم في ثروات السودان عبر وكلاء محليين في مناطق النفوذ الجديدة .

ورقة الاستهداف الاجنبي علي السودان بخلفية ميثاق كمبالا ذات أهمية استراتيجية وتحليلية كبيرة ، خصوصًا أنها ربطت بين أدوات الاستهداف الخارجي والرؤية الجيوسياسية الكبرى لتفكيك المنطقة . وقد رصدت باكرًا المؤشرات التي بدأت تتضخم لاحقًا ، مثل مشروع “دولة الزغاوة العظمى” الذي يمثل تحولًا نوعيًا من التمرد الجهوي إلى الطموح العابر للحدود .

يمكن القول إن هناك تلاقحًا بين مشاريع داخلية وأجندات خارجية ، والنتيجة هي تفتيت بنية الدولة الوطنية . ويمكن أن نبني على الورقة القديمة بإضافة محور جديد بعنوان مثلاً :

من قرنق إلى الزغاوة: تطور أدوات التفتيت الجيو-اجتماعي للسودان

• التمرد كأداة أولى للفوضى

فشل مشروع قرنق في إنتاج “السودان الجديد” الموحد ، لكنه نجح في تكريس الانقسام ، وأسّس لسابقة الانفصال . أما حركات دارفور فكان سقفها في البداية المطالب التنموية ، قبل أن تتحول إلى وسيلة للفوضى الجهوية .

• تحوّل النخب المتمردة إلى نخب طامعة في التوسع العرقي

نلاحظ اليوم تحولًا خطيرًا اذ لم تعد الحركات المسلحة تسعى فقط للمشاركة في السلطة ، بل لتأسيس نفوذ دائم على الأرض (كما في فكرة دولة الزغاوة العظمى) ، وهو ما يُشبه الحلم الصهيوني في بدايته .

• التواطؤ الدولي والصمت الإقليمي

التمدد الزغاوي في تشاد ، دارفور ، شمال إفريقيا الوسطى ، بات يُنظر إليه كامتداد لقبيلة واحدة على حساب الدول ، وسط تواطؤ بعض القوى الغربية التي ترى في ذلك مصلحة استراتيجية .

• إعادة صياغة الخرائط الإثنية

المشروع الجديد يعتمد على ترحيل قسري للسكان ، واستيعاب غرباء ، وضرب المكون النيلي والمركزي ، وهو استهداف مباشر للهوية السودانية الجامعة .

لابد من الجمع بين المحلي والإقليمي والدولي وخلق توازنات دولية بالاتجاه شرقا نحو روسيا والصين وايران وتركيا ، وهذا العمق ضروري لهزيمة المشروع الاستراتيجي لتفكيك السودان وربطه بتوازنات القوى العالمية . علي ان يكون الهدف الأساسي المصالح المشتركة بين الشعوب والاتفاقات السياسية دون الدخول في الأحلام العسكرية .

لابد من مراعاة النقاط التالية في الإحاطة بكل جوانب الاستهداف وضرب المشروع الأمريكي الثابت المتغير ..

• التحولات في ميزان القوى العالمي (أمريكا – الصين – روسيا – إيران) .

• محور التحالفات المرنة والمتبدلة (الخليج ، تركيا ، إسرائيل ، إثيوبيا ).

• سقوط المركز السوداني وصعود الهويات العرقية المسلحة .

• رؤية الولايات المتحدة للبحر الأحمر ومصالح الأمن القومي .

• دور القاهرة وتقاطعات أمنها القومي مع وحدة السودان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى