صبري محمد علي (العيكورة) يكتب…. (بعيداً عن السياسة) حكايتي مع الكتابة (٣-٣)
كان الوقت عصراً عندما أدلفت باب صحيفة الإنتباهة بشارع الملك نمر بصحبتي صديقي المرحوم العميد شرطة الدكتور هجو الإمام (رحمة الله عليه)
نسأل عن مكتب الأستاذ كمال عوض مُدير التحرير آنذاك
الذي نسّق لنا معه هذا اللقاء هو الأخ العميد شرطة (آنذاك) الدكتور حسن التجاني وكان كاتباً راتباً بالصحيفة عبر عموده المقروء (وهج الكلِّم) وفي ذات الوقت كان هو المتحدث الإعلامي بإسم قوات الشرطة
وحقيقة هذا الرجل هو سفرٌ زاخر من الإنضباط والعلم والقلم السيّال
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ إنه حاصل على درجتين من الدكتوراة إحداهما في مجال الإعلام والأخرى أعتقد في مجال الأمن فله التحية والتقدير وخالص الإمتنان عبر هذه السانحة
إصطحبنا كمال عوض مُرحباً بنا الى مكتب رئيس التحرير الأستاذ بخاري بشير الذي رحب بنا هو الآخر أيُّما ترحاب
و بخاري هذا قد توطدت علاقتي به فيما بعد مغادرته للإنتباهة فهو رجل خلوق وحيي خفيض الصوت و رزين
كذلك كان الأستاذ كمال عوض شاباً مُمتلئاً بالحركة والطرفة والنُكّته وقد تحمّل عني مشكوراً عبء طباعة كتابي الثاني (شجرة ود العوض) وتابع كافة الإجراءات الإدارية حتى مرحلة الطباعة .
إستمرت الإنتباهة تنشُر مقالاتي وشعرت بأن هُناك إنتشاراً وقبولاً واسعين قد صاحبها عبر النسخة الورقية و الرقمية (الأونلاين)
كونها ظلّت هي الصحيفة الأولى التي تربّعت على عرش الصُحُف الأكثر توزيعاً في السودان لمدة ثلاثة عشر عاماً مُتتالية
لم تمضِ شهوراً معدودة إلا وغادر كمال عوض الصحيفة الى موقع آخر فحزنت لذلك أيما حُزُن رغم أننا ظلنا على تواصل بل و كتبتُ مقالات خاصة بموقعه الجديد ولعله قناة سعودية سودانية مشتركة مقرها (الرياض) نشرت لي بعض المقالات كتابةً على شاشتها وكانت تصلني من الأستاذ كمال مُقتطفاتها
الأستاذ بخاري بشير لم يمكُث طويلاً فغادر (الإنتباهة) هو الآخر الى موقع جديد والشئ الذي أحفظه للأخ بخاري أنه قد ثبت لي راتب شهري عندما علم أنني أكتب بلا مقابل
لاحقاً تم تكليف الأستاذ أحمد يوسف التاي رئيس القسم السياسي آنذاك رئيساً للتحرير خلفاً للأخ بخاري بشير .
لم ينقطع الود و التواصل بيني و بين الرجلين بخاري وكمال حتى كتابة هذه السطور وكما يقال فإن (معرفة الرجال كنز) وهما كنزٌ نادر و زيادة .
توقفت عن إرسال المقالات للصحيفة بإعتبار أن من أعرفهم قد غادروا وليس بيني وبين الصحيفة عقدٌ (مُلزِم) ولم تعُد لي وسيلة تواصل بعد أن ظللت طيلة الفترة الماضية أرسل مقالاتي عبر (الواتساب)
الخاص ببخاري وكمال
فتواصل معي ذات يوم الأستاذ التاي طالباً مني أن أكتب كما كنت أكتب و نحن و الصحيفة في إنتظارك (هكذا كان فحوى الرسالة)
حقيقة وجدتُ نفسي وسط قامات وفطاحلة تعرفت عليهم خلال صفحات (الإنتباهة) بشقيها الورقي والرقمي فتعرفت على الأساتذة إسحق أحمد فضل الله وأيوب صديق والجعفري والسفير المقلي وصديق (أبودليق) وهاجر سليمان وسهير عبد الرحيم وغيرهم
وسط هذه الكوكبه وجدتُ نفسي أمام تحدٍ فإما خوض السباق الصعب و إما الخروج عن المضمار
فإخترتُ الأول فركّزتُ جهدي على التجويد والإختصار وتحليل الأحداث ولكن بإسلوبي الذي يعتبره البعض ساخراً
رأت إدارة تحرير الصحيفة نقل مقالاتي من الصفحات الداخلية الى الصفحة الأخيرة جنباً الى جنب بجوار (شيخ إسحق) وفي ذات الزاوية التي كان يكتب عندها الراحل و مُؤسس الصحيفة الأستاذ الطيب مصطفي (عليه رحمة الله)
عبر النسخة الرقمية كانت مقالاتي تُحقق المقروئية الثانية من حيث عدد القراء بعد أستاذ إسحق وحصل أن تفوقت عليه في ذلك عِدّة مرات
أحمد يوسف التاي رغم إختلافنا في إختيار زاوية تناولنا للأحداث كان حريصاً أن لا تغيب مقالاتي ولو ليوم واحد عن الصحيفة
وسعى في تذكيري بالإرسال كما تم تحسين الراتب الذي (إنتزعه) لي الأستاذ بخاري
أذكر ذات مرة كتب الأستاذ التاي مقالاً إنتقد فيه تجربة الإسلاميين بعنف فكتبت أنا في اليوم التالي مقالاً أعنف منه أرد فيه عليه
و ثم دفعتُ به للنشر
وبالليل وكأني قد شعرتُ بتأنيب الضمير بأنني قد أغلظت على الرجل بحده ما كان لها داعٍ
فأرسلتُ له طالباً أن يُوقف نشر المقال وذكرتُ له مرئياتي
أو أن تكون له مُطلق الحرية في أن يحذف منه ما يشاء بإعتبار هذا من صميم مهامه التحريرية
فقال لي بالحرف الواحد
(عليّ الطلاق) لن أحجبه ولن أحذف منه حرفاً واحداً وسأنشره غداً كما وصلني منكم
وقد كان !!
مما لا أنساه خلال فترة (الإنتباهة) ……
أن تناولت الراحل الفاتح جبرا (عليه رحمة الله) معقباً عليه في تناوله لقضية خط (هيثرو) وجاء تعقيبي في ثلاثة مقالات على ما أذكُر و يبدو أنه لم يعجبه كلامي وإعتبره بمثابة إشانه سمعة وغضب لذلك وكانت قد نُشرت تلك المقالات في كل من صحيفة (الإنتباهة) وصحيفة (متاريس) الإليكترونية وكان ذلك إبان تسلط (قحط) وكل شئ كان يُمكن أن يُحيلك الى (سيئة الذكر) لجنة إزالة التمكين
فأرسل الراحل أو من أنابه رسالة عبر البريد الإلكتروني للصحيفتين يحذر إن لم تنشروا إعتذاراً عبر صحيفتيكما فسأضيفكما للدعوى المُقامة ضد (العيكورة)
أعتقد (الإنتباهة) لم تُولي الأمر إهتماماً بينما (متاريس) كتبت و نشرت بأنها لا ترى في ما كتبه الأستاذ (العيكورة) إساءة بل هو تعقيب على قضية رأي عام .
التاي أخطرني لاحقاً أنه وأثناء ترأسه لإجتماع مجلس التحرير ذات يومٍ دخل عليهم شرطي حاملاً أمراً من النيابة بالقبض على الأستاذ صبري العيكورة فعلم أنني أقيم خارج السودان وأن مقالاتي تصل الصحيفة عبر البريد .
بالطبع هذه الدعوى كلفتني متاعب واجهتني عندما رفضت القنصلية السودانية ب(جدة) تجديد جوازي مما إضطررت معه لسلك السُبل القانونية لإنهاء المشكلة عبر أحد الإخوة القانونيون الفضلاء
(رحم الله الأستاذ الفاتح جبرا)
الإنتباهة …..
لو لا إختفاؤها (المُريب) والوطن في أمسّ الحاجة لخدماتها لظلّت كبيرة في أعيننا وقد كتبنا لمالكها الأستاذ سعد العُمدة نعتُب عليه هذا الإختفاء
ولكن ظل مفهوم الرجل للإنتباهة ماهي إلا كضرب من ضروب الإستثمار ! ليس إلا !
شاركني الرأي الأستاذ أيوب صديق عندما قال لي إن عجز العُمّدة عن تشغيلها فليطرحها للبيع فهذه ليست سلعة بل هي تاريخ وثقافة ونافذة يتنفس عبرها الوطن
ولكن ماذا نقول لمن يُؤذِّن في (مالطا) !!
عزيزي القارئ …..
لعلي سأستحدثُ (حكاية) جديدة مع الكتابة للغد بإذن الله فالحديث ذو شجون فمن (بركات الإنتباهة) أن أتاحت لي نافذة للتواصل مع (البروف) علي شُمْو
فكيف تواصلنا وماذا قال لي ضاحكاً عن (عب باسط) وما علاقة (البروف) بالعيكورة
أنتظروني غداً بإذن الله
الثلاثاء ١٠/يونيو/٢٠٢٥م