مقالات الظهيرة

سد النهضة بين الزلزال الصامت والانفجار القادم :  مبادرة لبناء السلام عبر الأمن الغذائي والمائي

الظهيرة – عبد الله حسن محمد سعيد:

في خضم انشغالات السياسة وصراعات السلاح ، يغيب عن المشهد السوداني واحدٌ من أعظم الأخطار المحدقة بالوطن : سد النهضة الإثيوبي ، لا كمنشأة هندسية فحسب.

بل كمشروع يحمل في طياته بذور الخلل الجيولوجي ، وسوء التقدير السياسي ، وسيناريوهات التهديد المتعدد الأوجه .

لقد بلغ التخزين غير الآمن مرحلة تنذر بالخطر ، إذ تجاوز السد قدراته الجيولوجية ،

وهو مشيّد فوق منطقة تعاني هشاشة في القشرة الأرضية .

ورُصدت بالفعل اهتزازات زلزالية خفيفة أثّرت على هيكل السد ،

وهو ما قد يتحول إلى كارثة إقليمية إذا اجتمعت عوامل الأمطار والضغط الزائد والانزلاقات الأرضية . إن الحديث عن سد النهضة لم يعد فصلاً في خلاف دبلوماسي ، بل مقدمة محتملة لـ”هولوكوست مائي” سيغرق السودان في لحظة ، ويفكك ما تبقى من بنيته ومجتمعه .

السودان ، المستفيد الذي لم يستفد

حصة السودان من مياه النيل الأزرق تبلغ نحو 18.5 مليار متر مكعب غير ما تضيفه الروافد المتعددة ، لا يُستفاد منها حاليًا إلا بحدود تتراوح بين 9 إلى 13 مليار متر مكعب ، وتناقصت مؤخرًا بسبب سياسات إثيوبيا الأحادية . أما ما يتبقى فيذهب – دون ترتيبات – إلى استدانة غير مستردة لصالح مصر أو الفاقد الطبيعي . هذا الواقع يعكس غياب الإرادة التفاوضية الجادة من قبل الجهات السودانية المختصة ، وعلى رأسها وزارة الري التي تغلّب دائمًا “الصيغة الاحتفالية” على الواجب السيادي .

المبادرة : من الخطر إلى الفرصة

في هذا السياق ، طرحتُ في وقت سابق مبادرة استراتيجية تقوم على تحويل التهديد إلى فرصة عبر تخزين طوعي ومنضبط لنحو ,4 مليار ونصف متر مكعب من المياه في سد النهضة على مدى أربع سنوات ، تُسترد عند الحاجة ، ويُستخدم جزء منها لإنشاء مشاريع مشتركة مع إثيوبيا ومصر وجنوب السودان . تقوم المبادرة على :

١/ زراعة أراضي الفشقة الأولى والثانية (حوالي 4 مليون فدان) ،

٢/ تنمية منطقة أرقين ونيلوتك لاند باردين (نحو 2 مليون فدان) ،

٣/ استصلاح أراضي غرب النوير (أكثر من 300 ألف فدان) ،

٤/بناء شبكة ري ذكية ، وشراكة مالية وفنية وبشرية لدعم سوق إفريقية موحدة للأمن الغذائي .

لا تهدف المبادرة فقط إلى درء خطر السد ، بل إلى خلق تكامل زراعي-مائي-سياسي يُنهي التوتر المستمر ، ويحوّل حوض النيل إلى فضاء استثماري يحقق الاستقرار .

٤/ مجلس استشاري للتشغيل والسيادة التشاركية

من المقترحات الجوهرية إنشاء مجلس استشاري ثلاثي/رباعي لتنسيق تشغيل السد ، ومتابعة الخزاناتو، وتوزيع المياه ، وضمان الحد الأدنى من الأمان الهندسي والحقوق السيادية . هذا المجلس يجب أن يكون بعيدًا عن التسييس المبكر ، ومحصنًا ضد الضغوط الخارجية التي بدأت بالفعل تُحوّل السد إلى ورقة ابتزاز دولي في ملفات الهجرة ، والطاقة ، والسيادة .

خاتمة: نداء إلى الدولة والمجتمع

إنني أضع هذا المقال بين يدي المسؤولين في وزارة الري ، ووزارة الخارجية ، والأجهزة السيادية ، وأدعوهم للتوقف عن اللهاث خلف سراب التطمينات الدبلوماسية ، ومواجهة الخطر بمسؤولية تاريخية . كما أناشد القوى الإعلامية والمجتمع المدني الضغط من أجل تبني مبادرة الأمن الغذائي والمائي ، ليس فقط لحماية السودان من الغرق ،، بل لجعله منصة للتكامل لا حافة للانهيار .

فلتكن هذه الكلمات دعوة لإيقاظ النائمين ، واستنهاض الصامتين ، قبل أن يأتي الطوفان بلا إنذار. .

ولك الله يا وطني….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى