لواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد يكتب… النهود!!
النهود تستلقي في الرمل الذهبي على قفاها، تتأمّل الفضاء الفسيح، تتمدّد ما بين الثرى والثُريا، تسندٌ رأسها غربًا تجاه ود بندة، وكواحلها تجاه الفُولة وبابنوسة، تُلامس يمناها غِبيش.
وأنامل يُسراها على غدائر الخوي، آهلةٌ بالمعيّة في حِمى الشرفة وأم عُضام، وصقع الجمل، وود متقل، وأم خشمين، والمركب، والمريكيب، كُلهن صويحبات أُنسها، ورفيقات الجوار الأمين.
عيونها الزرقاء في ( *العِدْ* ) دفّاقة، عذبةُ المذاق، يؤمّها المستسقون، ويعمرها الرِعاء، أهدابها الظليلة من أشجار الحراز والسُنط ( *القرض* ) العريق الأصول في الأرض، الفارع الطول، ضامرةُ الخصر في إنحدار الوادي، تنتصبُ التلتان للرائي كأنهما نهدانِ في صدرِ حسناء، شارات الخصب، وعلامة النضوج.
النهود مدينةُ المدائن، تعشقُ الحريّة، تتصف بالأنفةِ والعناد، لها صَولاتٌ منذُ أيام الاستعمار، ولهذا أمتها قوافل الباحثين عن الأمن الاستقرار والتجارة والتعليم، وأفردَ أهلها ( *الحَمر* ) أذرعتهم الخضراء مرحّبين ، وأصبحت المدينة سوقًا مركزيًا للتجارة، وبورصة لتبادل المنافع، الصمغ، والسمسم، وأنواع الذُرة، والفول والثروة الحيوانية، الإبل، والضأن الحمري الشهير، ولذلك يُعتبر سهمها في إقتصاد السودان وافرًا .
عمرت دور العلم من وقتٍ باكر قياسًا بغيرها ولذلك إستنار شبابها وتأهّلوا بأعلى الدرجات العلمية، يُعتبر ( *نادي السلام* ) من أوائل الأندية الرياضية والثقافية في السودان، ترقص الجرّاري، وتترنّم الهسيس، وتتغنّى بالطمبور الحمري.
النهود ما نقم عليها الجنجويد إلّا لأنها آمنت بالسودان وطنًا للجميع، وبالوحدة وقيادة الدولة الشرعية، ووضعت يدها في يد القوات المسلّحة، على عكس ما أراده وإبتغاه ( *آل دقلو* ) بأن تكون لهم ( *ضعين* ) تعينهم على القتل والإجرام، وتخبّئ المسروقات تحت طيّات خبائها الدنس، وأرادوها أن تسلخ نفسها من إهاب الوطن السليم، لتقرحه في مكانه الأثير، وتخذل شعبها، وتمحو لوحها، وتنقض غزلها القويّ أنكاثًا إرضاءًا لرغبات آل دقلو الجامحة، وطموحهم المجنون، ولذلك إستهدفوها لثلاثةِ أيام حسومًا، زحفوا عليها من كل حدبٍ، تدفعهم الغيرة، ويملؤهم الحقد ورغبة الإنتقام، رموها باللهب، والمدافع والرصاص، تكاثروا عليها، برغم صمود وبسالة جيشها ( *اللواء 18* ) وإستماتة أهلها، إلّا أنّ مسار القتال إقتضى التأخّر والإنسحاب، وهذا شأن الحروب وأحوال القتال.
فور إقتحامهم المدينة عاث الجنجويد فسادًا، قتلوا الأبرياء وأثخنوا المدينة بالأهوال والجراح، أحالوا أمنها خوفًا وإستقرارها نزوحًا، فهي داميةُ الجسد الآن تحت وطأة عربان الشتات ومن والاهم، ولكنّ ذلك إلى أجل قريب، مثلما عاثوا في الخرطوم والجزيرة وولايات الوسط، وظنّوا أنهم قادرون عليها، إستطاعت القوات المسلّحة ومساندوها أن تهزمهم وتخرجهم، وهذا ما سيحدث بحول الله وقريبًا جدًا.
الجنجويد لن يهنأوا بالنهود، ولن يطول بهم المقام، ليس فيها فقط ولكن في كل السودان بحول الله، وهذا مضمار التحدّي بين الشعب وجيشه، وبين هذه المليشيا المجرمة وداعميها.
نعم ( *حميدتي البعاتي* ) والإمارات لن يهزموا إرادة السودان، ولن يرغموه على قبولهم في أيّ شكلٍ وبأيّ صفة، مهما أسرفوا في العدوانية وقتل الأبرياء مثلما فعلوا اليوم في النهود، فقد تجاوزت ضحاياهم المئات ( *أكثر من 300 قتيل* ) منهم الإعلامي الحسن فضل المولى، والدكتور محمد المصباح مدني و ( *إبنه وبنته* ) والشيخ الداعية أحمد النعمان، والرائد شرطة أحمد محمد عبد الله وزوجته، وعبد الرحيم صافي الدين شقيق رئيس شورى قبيلة حمر، وبقية قوائم الشهداء.
ستخرج المليشيا المجرمة وسيروي الناس سيرتها الدامية وقصص إجرامها غير المسبوق كما هي حال المُدن المحرّرة من بطشهم.
أما الإمارات التي امدتهم بكُل هذا العتاد تكون قد إشترته وإشترت معه كراهية أهل السودان الأبدية، ولن تجد مرامها في السودان أبدًا، واشتركت في كل الآثام المقترفة، والجرائم المرتكبة.
إن وقع سقوط النهود في يد الجنجويد بقدر ما هو مُحزن، لكنّه لن يزيد الشعب وجيشه إلّا إصرارًا للمضيّ قُدمًا في تدمير المليشيا وتطهير الأرض السودانية منهم.
تقبّل الله شهداء النهود وشهداء معركة الكرامة.
*وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ*