مقالات الظهيرة

دكتور محمد تبيدي يكتب…  نَفَسُ التّحيّة ورِيحُ التَّوتُّر.. بين الخرطوم وإنجمينا!

رغم لهيب الحرب المشتعلة في السودان، وتكاثف الغيوم فوق أفق العلاقات السودانية التشادية، جاءت برقية التهنئة التي بعث بها الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إلى رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمناسبة عيد الأضحى المبارك، كنفَسٍ دافئ وسط عاصفة من التوجّس والريبة.

 

البرقية التي صدرت باسم الشعب التشادي وحكومته، حملت “أحرّ التهاني وأصدق التبريكات، مقرونة بأطيب تمنيات الصحة والعافية” للبرهان والشعب السوداني، بحسب ما أفاد به مجلس السيادة في بيان رسمي، لكنها لم تمر مرور الكرام على مراقبي المشهد الإقليمي، الذين قرأوا بين سطورها ما هو أبعد من المجاملة الدبلوماسية.

 

فهذه الرسالة، وإن بدت في ظاهرها تحية عيد، إلا أنها الأولى من نوعها منذ تفجّر التوترات السياسية والعسكرية بين البلدين، عقب اتهام السودان لجارته الغربية تشاد، بإيواء وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لمليشيا الدعم السريع المتمردة بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” المليشيا التي تمردت على الجيش السوداني ونخووض حرباً دامية ضدها منذ أبريل 2023.

 

الخرطوم، التي ظلت تراقب التحركات المشبوهة على حدودها الغربية، لم تُخفِ امتعاضها مراراً مما وصفته “بالتواطؤ الصامت” من الجانب التشادي، لا سيما مع وجود معلومات استخباراتية تؤكد تسلل عناصر الدعم السريع عبر الحدود، وتلقيهم إمدادات عسكرية من مناطق داخل الأراضي التشادية غير المقاتلين الأجانب المرتزقة.

 

في المقابل، ظلت إنجمينا تلوذ بالصمت، وتكتفي بإطلاق تصريحات عمومية عن “أهمية وحدة السودان” و”ضرورة التوصل إلى حل سلمي”، دون اتخاذ مواقف واضحة تجاه انتهاكات المليشيا المتمردة، ما عزز الشكوك حول نواياها وأثار تساؤلات حول عمق التنسيق بينها وبين آل دقلو، ذوي الجذور القبلية المشتركة مع مجموعات في الداخل التشادي.

 

يُعدّ إرسال هذه البرقية، من حيث التوقيت واللغة، محاولةً دبلوماسية خجولة لإعادة ضبط البوصلة السياسية بين البلدين، أو ربما مجرد مناورات علاقات عامة لامتصاص حدة الاتهامات المتصاعدة. لكن تبقى الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن العلاقات السودانية التشادية تقف اليوم على صفيحٍ ساخن، لا تبرده تهاني الأعياد، ولا تلمّه عبارات المجاملة فقائد الجيش السوداني ماضي في طهير أرضنا من دنس اوباش مليشيا آل دقلو الإرهابية .

 

فهل تكون هذه الرسالة بداية لمراجعة المواقف التشادي؟

أم أنها محاولة لذر الرماد في العيون وسط استمرار الدعم غير المعلن للتمرد؟

سؤالٌ مفتوح على احتمالات، تحتشد فيها السياسة، وتتداخل فيها الجغرافيا والمصالح بالنوايا.

 

وفي انتظار الإجابة، يبقى الجيش السوداني على ثغور الوطن، يسطر بدمائه ملاحم البطولة، مدافعاً عن سيادة الدولة، في وجه من استرخصوا الأرض وارتضوا أن يكونوا بيادق في لعبة قذرة، لا تعترف بوطن ولا بدمٍ طاهر.

 

وانا سأكتب للوطن حتى أنفاسي الأخيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى