مقالات الظهيرة

(من أعلى المنصة) ياسر الفادني يكتب…. لماذا يكره سلك وزمرته الكيزان؟

ليس لأن الكيزان ملائكة، ولا لأن تجربتهم السياسية كانت بلا خطايا، بل لأنهم ببساطة يعرفون كيف يفكرون، وكيف يخططون، وكيف يصبرون، في السياسة، أخطر خصم ليس من يرفع صوته، بل من يُخفي صوته ويُحكم قبضته على الفكرة، ثم ينتظر اللحظة المناسبة، هنا يبدأ الخوف، وهنا تولد الكراهية،

الكيزان خاضوا تجربة حكم طويلة، نعم تعثرت وشابتها أخطاء جسيمة، لكنهم خرجوا منها وهم يمتلكون ما لا يمتلكه خصومهم: تنظيم يعرف ماذا يريد، ووحدة صف حقيقية، وفكر جماعي لا تُصادره نزوة فرد ولا قرار مزاجي، هم لا يحكمهم شخص أو اثنان، ولا تُدار حركتهم بتغريدة أو مزاج صباحي، بل بشورى وتنظيم وخطة بعيدة المدى، وهذا وحده كافٍ ليُربك خصومًا لا يرون أبعد من أنوفهم

 

حين شُيطِن الكيزان في عهد حمدوك، كانت الشيطنة صاخبة، مبالغًا فيها، ومشحونة بالتحريض، وكان الرهان أن ينفجروا غضبًا، أن يخطئوا، أن يمنحوا خصومهم مادة إضافية لإكمال المشهد، لكنهم لم يفعلوا، صمتوا، تراجعوا خطوة، واشتغلوا في الظل، لم ينظروا إلى ما تحت أقدامهم، بل رفعوا رؤوسهم نحو مستقبل بعيد، بعين تشبه عين زرقاء اليمامة، ترى الخطر قبل أن يصل، هذه القدرة وحدها كفيلة بأن تجعلهم عدوًا دائمًا لمن لا يملك إلا ردود الأفعال

أكبر خطيئة ارتكبتها حكومة حمدوك أنها جعلت الكيزان قضيتها المركزية، بدل أن تجعل الدولة نفسها هي القضية، انشغلوا بالاجتثاث أكثر من البناء، وبالانتقام أكثر من التنمية، فلم يقدموا للناس نموذجًا مختلفًا يُقنعهم أنهم أفضل، لم يحدث اختراق سياسي إيجابي واحد يُحسب لهم، وحين جاء الامتحان الحقيقي، ذابت كرة الثلج سريعًا، وتحولت أحلامهم إلى مياه راكدة آسنة، بلا طعم ولا اتجاه،

أما سلك وزمرته، فحاولوا تقليد الكيزان في الشكل، لا في الجوهر، أرادوا تنظيمًا بلا فكر، وقوة بلا قاعدة، وسلطة بلا مشروع ففشلوا لأن القلوب الشتى لا تبني دولة، والعقول الخاوية لا تصنع مستقبلًا، لا يجمعهم إلا الجيب، ولا يحركهم إلا الطمع، ولو كان ثمنه خيانة الوطن أو خيانة بعضهم البعض ،من هنا جاءت الكراهية، كراهية العاجز للمنظم، والمرتبك للهادئ، والقصير النظر لمن يقرأ مآلات الأمور

إني من منصتي أنظر … حيث أرى…. في السياسة السودانية، القاعدة بسيطة وقاسية: من يفكر، ويخطط، ويصبر، ويدرس المستقبل، ينجو ولو بعد حين ، ومن يتعامى، وله حول في عينيه، ويحسب السياسة غنيمة سريعة، يقع على قفاه… كما وقع سلك وأعوانه ، الكيزان يُكرهون لأنهم يفهمون هذه اللعبة، وغيرهم لا يفعل، وتلك وحدها كافية لتفسير كل هذا الغضب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى