مقالات الظهيرة

لواء ركن ( م ) د. يونس محمود محمد يكتب….ذئاب الجنجويد تفجع البروفسور محمد عبد الله الريح في عنزته 

كتب البروف العلامة محمد عبد الله الريح مرثية بالغة التأثير ، نعى فيها بحرقة محرابه ( *متحف* *التاريخ* *الطبيعي* ) وعدد قصص النشأة والتطور ، وسير وأخبار جمع العينات لاقامة هذا المحفل الأسطوري الذي ائتمرت فيه انماط الخلائق البرية والبحرية والجوية ، الداجن منها والمتوحش والانيس ، لبست أقنعة جلودها وانسلت من اللحم والعظام ، وانتصبت شاهدة لعصرها حيث كانت ، ومصرها حيث عاشت ، وقد أعد لها البروف المتكأ المناسب ، واختلق لها البيئة الأقرب لفطرتها وجبلتها ، حتى صار متحف التاريخ الطبيعي نافذة يطل منها الزائر على سالف الزمان ، وطبائع الأشياء من حوله ، وبديع صنع ربنا الخلاق ، وثراء ما في هذا الوطن من حياة وتوازن وشراكة مع هذه المخلوقات الجميلة .

والبروف محمد عبد الله الريح طيف من المعرفة ، عاصر الأزمان الغابرة ، عاش في كهوف الحفريات القديمة ، غاص تحت طبقات الارض ، سامر الجماجم المبتسمة ، وعرف حكاويها ، وتاريخ حيواتها ، حدثته عن الكسب في تلك الازمان ، والعشق والحياة ، والادوات والطقوس ، والاغاني وهمس المحبين ،

خرجت علاقات الرجل عن معتاد العلائق من بني البشر التي لا تتعدي الحيوانات الاليفة وبالكاد تألف ( *الكديس* ) أما البروف فهو صديق الثعابين المدافع عن حقها في الاحتفاظ بجلدها حتى لا يلبسه الانسان مركوب ، تعرف على السلاحف وطاف ديارها في المفازات البعيدة ، وحضر مهرجانات سباقاتها ، ورقصها الرشيق على ايقاع التدريع ( *القدح* ) ، روت له العضاءات الملونة طرائفها مع المفترسين الذين تضللهم بقدرتها على التخفي ، ووصفت له كيف تصنع من لسانها شركا قاتلا وهي تضحك في حياء وخفر ، البروف نام في عرين الأسود ، ومرابض النمور ، واجحار الضباع والمرافع ، واستمع لاغرب حكايات الفرائس حيث روى له نمر مرقط بأنه اصطاد ذات مرة غزالة فأحس بنبض جنينها في بطنها فأشفق عليها وتخلى عنها رأفة ورحمة ، والبروف شرب بالقحف من بحيرات التاريخ التى طمرها الدهر الطويل ، واكل من خشاش ما اكل الاسلاف ، جمع كل هذه الروايات ، وصفها في زينة ، ووثقها بعناية لشهود العصر الحاضر حتى يتملوا فيها ، ويزدادوا معرفة وادراكا للعالم بعمقه التاريخي الطبيعي ، فيحترموا حق هذه المخلوقات الشريكة لنا في الحياة .

نشهد وتشهد له اعماله وكتاباته بأنه قد رفع هذه القواعد بقدر وسعه ، واخلص فيها ، وروج لها حتى اعترفت له هذه المخلوقات بالجميل فلم يعد الثعبان يخيفه ولا العقارب ترعبه ، ولا الضب يثير تقززه ، فهو صديق الجميع الحميم .

ولكن الجنجويد ، لعنة الله عليهم ، اثناء استباحتهم العاصمة ، اجتاحوا محراب البروف ، واقتحموا متحف التاريخ الطبيعي ، فقتلوا كل مخلوق حي ، وحطموا المحنط وهم يضحكون في استغراب ماهذا الذي يفعله ( الكِيزان والفلول ) يسوو ليهم ( *بو* ) بجلد هنا قرد !!

والبو هو جلد العجل يحشى بالقش حتى تظن أمه أنه حي فتدر اللبن .

ثم احرقوا البقية فضاعت الاوراق والبحوث والصور والوثائق ، وضاع مجهود جمع العينات النادرة هذه من اطراف السودان ، وبعضها انقرض ولم يعد له وجود البتة .

وهكذا فجع الجنجويد البروف محمد عبد الله الريح في محرابه تماما كما فجع الذئب صاحب المعزة التي أرضعته كما تقول الرواية الشهيرة .

فمن انبأك أن اباك ذئب .

انها الجينات وعلم الاحثاء والحفريات كما تقول يابروف

 

فهؤلاء الجنجويد ليسوا بشرا ، بل هم من الخلق الذي ضربت به الملائكة المثل في قولها لله تعالى ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء )

 

فمن أسرف في الافساد وسفك الدماء من الجنجويد في التاريخ الانساني القريب ؟؟

 

الا لعنة الله عليهم

 

وتعازينا للبروف في فقده العظيم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى