مقالات الظهيرة

محمد زياده الطيب يكتب…. الأستاذ حسن إسماعيل… حين يتحوّل الصوت إلى خندق والفكر إلى مدفعية وعي!!!!

منذ أن انكشفت معادن الرجال في محنة الوطن، وتهاوت الأقنعة تحت وطأة الحقيقة، برز صوت ليس عابرًا ولا مترددًا، ولا ناعمًا في زمن الخيانة الخشنة… صوت الأستاذ حسن إسماعيل. في زمن تحوّل فيه الإعلام إلى ساحة اشتباك، والكلمة إلى طلقة، والموقف إلى خندق أول، لم يكن الرجل متفرّجًا على شاشات الحياد الباهت، بل كان في صميم المعركة، يُقاتل بصوته، يُدافع بفكره، ويُنير بعقله طريقًا أُغلق بالدخان والخذلان.

 

حين صمت الكثيرون، تكلم هو؛ لا طمعًا في تصفيق، بل لأن الصمت في لحظة السقوط خيانة، ولا بحثًا عن بطولة، بل لأن الصدق لا يؤجَّل… بل يُطلق فورًا كنداء إسعاف. الأستاذ حسن إسماعيل لم يكن إعلاميًا يؤدي، بل موقفًا يقاتل. رجلٌ صاغ كلماته على هيئة دفاعات متقدمة، وحوّل تحليله السياسي إلى سلاح وعي شريف، يقف ضد الزيف، ويُلاحق أولئك الذين باعوا الحقيقة في أسواق المناورة.

 

في لحظة كانت فيها البنادق تحمي الأرض، والرايات ترتفع وسط الدخان، لم يكن الأستاذ حسن إسماعيل خارج الميدان، بل كان على جبهة الوعي مقاتلًا بالكلمة كما يُقاتل الجنود بالنار والحديد. وقف إلى جانب القوات المسلحة المجاهدة في معركة الكرامة، لا ببيانات التأييد التقليدية، بل بتحليل حاد، وصوت صارم، وموقف لا يعرف الانحناء.

 

لم يتأخر عن نداء الواجب، بل بادر بالاصطفاف من اللحظة الأولى، مدركًا أن الحرب لم تكن مجرد صدامات عند خط التماس، بل مواجهة شاملة مُحكمة الطابع فكريًا وعسكريًا ضد مليشيا الدعم السريع المتمردة الإرهابية ومشروعها الإماراتي الصهيوني الأمريكي العالمي، حرب تُدار بخطط نفوذ وتضليل تهدف إلى هدم مؤسسات الدولة واحتلال الوعي. واجه حملات التشويه كما تُواجه الكتائب المتقدمة نيران العدو، ففضح التضليل، وفكك خطاب الأعداء، وأعاد توجيه البوصلة نحو الخطر الحقيقي. كتب وهو يستشعر أن كل جملة تُطلق بمسؤولية توازي ضغط الزناد، فكان ظهيرًا استراتيجيًا للقوات المسلحة في معركتها، يقاتل معهم في الخنادق المعنوية، يحمي ظهورهم من خناجر الإعلام المأجور، ويُحصّن الجبهة الداخلية من الاختراق.

 

لم يكن مجرد مؤيد، بل كان في خط النار الإعلامي، يردّ الهجمة بحقائق، ويزرع الثبات في القلوب، تمامًا كما تُزرع الأرجل في أرض المعركة. وحين اندلعت معركة الكرامة، لا كحدث عسكري فحسب، بل كلحظة فاصلة بين بقاء الدولة وانهيارها، لم ينتظر الأستاذ حسن إسماعيل نتائج المعركة ليكتب، بل كان ممن كتب تحت لهب المواجهة المباشرة، ووقف بالكلمة كما وقف الجنود بالسلاح على الدفاعات المتقدمة.

 

لم يكن شاهدًا فقط، بل مقاتلًا في ميادين القتال الفكرية. رأى أن معركة الكرامة ليست فقط ضد ميليشيا تحمل السلاح، بل ضد جيوش كاملة من التضليل تحاول إسقاط العقل قبل أن تُسقط الدولة. وفي زمن ارتبك فيه البعض، وارتدى كثيرون قناع السلام الزائف، كان هو واضحًا، صلبًا، لا يُراوغ، ولا يُجامل، ولا يبحث عن مناطق رمادية. كتب كما لو أن كلمته بندقية، وتحليله طلقة، وصوته كتيبة مقاومة تقاتل وحدها إن لزم الأمر.

 

كتب كما يكتب من يعرف أن المعركة لا تُحسم بالسلاح فقط، بل بصدق السرد، ونقاء الرواية، وعدالة الموقف. تحليلاته لم تكن وصفًا للمشهد، بل تفكيكًا لما يُراد تمريره في الظل. لم يكن من أولئك الذين يشرحون ما حدث، بل من القلائل الذين يُعرّون ما يُخطط أن يحدث. تحليله ليس تنظيرًا، بل تشريح سياسي عميق، يُدخل يده في الجرح، ويُشير إلى موضع السم دون أن يُزيّنه.

 

حين كتب عن القوات المسلحة، لم يكن يُغازل الدولة، بل يُحذّر الأمة السودانية: إذا سقط جيشكم، فلن يبقى لكم وطن تختلفون عليه. لم يكن يرد على الشائعات، بل يسبقها. لم يكن يبرر، بل يُعرّي الأكاذيب. وفي زمن التحليل الموجَّه، كان صوته يُذكّرنا أن للوعي ضريبة، لكنها أقل بكثير من كلفة الغفلة.

 

الأستاذ حسن إسماعيل لا يصرخ، لا يبتذل موقفه، ولا يُحاضر على أحد. لكنه يكتب بمنطق نافذ، وكأن كلماته مقصلة تُزيل الزيف لا الرؤوس. حين ينتقد، لا يُشهّر، بل يُوقظ. وحين يُحذّر، لا يُهوّل، بل يُنذر كمن رأى الخراب قبل أن يصل. ولهذا، حتى من يختلف معه يُنصت له. لأنه حين يتحدث، لا يُحاول أن يُعجبك، بل يُحاول أن يُنقذك.

 

نقده ليس خصومة، بل إنقاذ. وصوته ليس رأيًا عابرًا، بل نبض وطني لا يُساوَم عليه. في زمن تماهى فيه البعض مع كل خطاب، وارتدى الجميع كل الأقنعة، ظل الأستاذ حسن إسماعيل واقفًا. لا يخلط بين الموقف والمصلحة، ولا بين التحليل والتدليس. رجل لا يعيش في المنطقة الرمادية، ولا يُناور من أجل البقاء، ولا يُداري ليُرضي الجميع. اختار منذ البداية أن يكون رجل وطن، لا موظف موقف.

 

أن يعمل في خدمة الحقيقة، لا في العلاقات العامة. أن يُنير العقول، لا أن يُخدّرها بالخطاب الرتيب. في وطن تحاصره النيران، وتنهشه التحالفات العبثية، وتُباع فيه العناوين النبيلة في بازار السياسة، نحتاج إلى من هم مثل الأستاذ حسن إسماعيل. لا كصوت يُجمّل المشهد، بل كمرآة تُظهر التشققات.

 

لا كقلم يُرضي السلطة، بل كعقل يُنقذ الدولة. لا كإعلامي يبحث عن البروز، بل كمقاتل وعي يدرك أن الكلمة الصادقة تُنقذ وطنًا قبل أن تُرضي جمهورًا. هو لا يُمثّل على الشاشة، بل يُقاتل من خلفها. لا يكتب ليملأ فراغًا، بل ليسدّ ثغرة في ميادين القتال الفكرية.

 

في زمن كان الكذب فيه يُباع بالرخص، والصمت يُشترى بالأمان، والرمادية تُقدّم كنوع من الذكاء، قرر الأستاذ حسن إسماعيل أن يكون في الخط الأمامي للوعي. لم يطلب إعجابًا، ولم يسعَ إلى تصفيق، لكنه نال احترام العقول، وثقة من يعرفون أن الحقيقة، وإن تأخرت، لا تحتاج وسطاء.

 

إنه أحد تلك الأصوات التي لا تُنسى، لأن أثرها لا يزول، ولأنها لا تُجمّل الحقيقة… بل تُقاتل من أجلها.

حفظ الله هذا الصوت، وليبقَ الفكر المقاتل حيًا، لأنه في زمن الانكسارات الكبرى، لا ننتصر بالرصاص وحده، بل بالأصوات التي تُضيء العقل، وتوقظ الضمير، وتُقاتل بالحقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى