مقالات الظهيرة

ياسر مدني يكتب… الإستعمار اللذيذ 

نعم .. نال السودان إستقلاله في الاول من يناير 1956م ولكن ؟ بكل أسف كان هذا التاريخ هو البداية الفعلية لإستعمارنا عبر إستغلال خلافاتنا وكثرة احزابنا وإنتماءاتنا في إنتهاك السيادة الوطنية وتنفيذ نوع آخر من الإستعمار يمكن ان نطلق عليه الإستعمار ( اللذيذ ) الذي يمنحك الحرية التعبيرية التي تجعلك تصرخ وتهتف حتى يبح صوتك وفي نفس الوقت تسب وتلعن وتخرب بيدك ما تم بناءه على يد اباءك واجدادك.

ثم تعود وانت تضرب على صدرك مثل طرزان ربيب القرود منتشيا بلذة الحرية .. إن المستعمر الذي رحل من بلادنا منذ اكثر من 67 عام ظل معنا بوجه آخر يستغل قدراتنا وخيراتنا ويستفيد من مشاكلنا القبلية ، واوهامنا التي لا تعد ولا تحصى من اجل مصلحته بينما يجود علينا فقط بالأماني والوعود التي لا تتحقق إلا في النوم ..

المستعمر ايها السادة منحكم تقنيته الهائلة في اجهزة الإتصالات والجوالات الذكية و الكمبيوترات وغيرها حتى تكونوا خاضعين لفكرة ان العالم اصبح قرية او في قبضة اليد..

بينما انتم في الحقيقة في قبضة يده يشكلكم كيف يشاء من خلال هذه التقنية المدهشة التى تستهلك البصر والتركيز في متابعة ما تتيحه لكم من برامج مصنوعة بمهارة وإثارة لتجذبكم وتنتزعكم من عاداتكم وتقاليدكم إلى عالم آخر لذيذ يجعلكم تؤخرون اكلكم وشرابكم وحواراتكم العائلية .. بل صلواتكم وعباداتكم ايضاً ..

إنه الإستعمار اللذيذ ..الذي يجعل من الشخص يهمل أمه وأبيه واخيه وصاحبته وبنيه ( وفصيلته التي تأويه ) حتى يشاهد مسلسل او فيلم او مقطع إباحي على اليوتيوب ..

إن الإستعمار رحل ولكن ؟ رحيله اكبر خدعة لأنه موجود معنا في بيوتنا وفي غرف نومنا .. موجود معنا في أيدينا وفي جيوبنا وداخل حقائبنا .. موجود في مؤسساتنا ومدارسنا .. موجود في الهواء .. إنه الإستعمار اللذيذ.

ياسر مدني
ياسر مدني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى