مقالات الظهيرة

عزيزة المعراج تكتب…. دعوها فإنها منتنة

“دعوها… فإنها منتنة”…. هذه الكلمة التي تختصر مقالات فهي كلمة تعبر عن حقيقة من حقائق الوجود، وسنة من سنن الكون قالها صاحب جوامع الكلم الذي نطق بها هو من لا ينطق عن الهوى.. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ذلك الذي لا يقول إلا الحق في رضاه أو غضبه.. ولذلك فإنها تعتبر منهاج تعايش ودستور حياة.

فكلنا يعلم معنى كلمة منتتة وهي الجيفة شديدة العفونة والتي لا يطاق ريحها…وياله من وصف وكفى به وصفا فالذي يدعو إلى العصبية والعرقية والهوية التي تميزه عن سائر إخوانه في الإنسانية إنما يدعو في الحقيقة إلى القذارة والنتانة.

ذلك أنه يدعو إلى عالم الطين والحمأ المسنون، ويغفل عن الروح والعوالم العلوية التي صدرت منها.. لذلك تفوح من أحاديثه رائحة الطين والحمأ المسنون..

وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الترفع عن هذا العالم، والنظر إلى الإنسان باعتبار جوهره وحقيقته الروحية، لا حقيقته الجسدية التي يؤدي بها دوره التكليفي المؤقت في هذه الحياة الدنيا.

بل اني احيانا اعتقد انه هذا هو جوهر الرسالة وان النبي ما بعث الا لابطال هذه العادة الذميمة التي هي ام لكل الشرور فقد بعث في مجتمع شديد العصبية والفخر بالقبيلة والعصبة.

وكان النبى صلى الله عليه وسلم – وهو الشريف – أول من أسقط هذه العنصرية حين قال “إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة”.

وفي ذات يوم اجتمع الصحابة فى مجلس فقال أبو ذر: أنا أقترح فى الجيش أن يفعل به كذا وكذا فرد بلال: لا .. هذا الاقتراح خطأ ، فقال أبو ذر: حتى أنت يا ابن السوداء تخطئنى فقام بلال مدهوشاً غضبان أسفاً.

وقال: والله لأرفعنك لرسول الله عليه السلام.. فتغير وجه النبى وقال : يا أبا ذر أعيرته بأمه …إنك امرؤ فيك جاهلية.!! فبكى أبو ذر وقال: يا رسول الله سل الله لى المغفرة .

ثم خرج باكياً من المسجد …وأقبل بلال ماشياً .. فطرح أبو ذر رأسه فى طريق بلال ووضع خده على التراب وقال: والله يا بلال لا أرفع خدى عن التراب حتى تطأه برجلك. أنت الكريم وأنا المهان ….!!فأخذ بلال يبكى .. واقترب وقبَّل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا.

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية” (صحيح مسلم) .

اذن فالعصبية هى أساس الفتن وتجعل الناس فى فرقة وتناحر والدعوة لتجنبها واجبة حتى تسلم وياللاسف فان مجتمعاتنا تعتقد ان الاسلام هو الصلاة والزكاة والطقوس فقط لا …. الدين كل الدين هو المعاملة وحسن الخلق.

كانت الجزيرة العربية تعج بعناصر شتى: العربى والرومى والحبشى والفارسى والمجوسى والمسيحى واليهودى. فكان من أولويات الإسلام هو تأليف قلوب هذه العناصر المختلفة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا فضل لعربى على أعجمى ولا لعجمى على عربى ولا أبيض على أسود ولا أسود على أبيض إلا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب”.

والآن ارتفعت الأصوات المقيتة المشئومة تريد بنا أن نعود لعهود سحيقة في الظلام والجهل فهذا جعلى وهذا شايقي وهذا فلاتي وهذا هوساوي .

بل حتى تعدى الأمر إلى أكثر من ذلك أن كل ولاية تطالب بهذه الدعوة الجاهلية فالجزيرة لاهلها فقط والشرق لاهله والدمازين لاهله .

مابالكم هي ارض الله والخلق خلق الله وهذه الجرثومة هي ام الامراض للامم واسباب تفكك الدول والحضارات لذلك لعب الاستعمار على هذه الآفة الخطيرة فهو دائما فى كل زمان ومكان أن يحيى النعرات القبلية(فرق تسد) صحيح ان العصبية والعنصرية هي خبيئة في اعماق النفس البشرية وفي كل العالم.

وقد قالت اليهود قديما نحن أبناء الله وأحباؤه وشعب الله المختار، وكما نادت ألمانيا بنقاء الجنس الآرى على بقية الأجناس وكذلك فعل الإنجليز عندما تصوروا أنهم أرقى الأجناس. العنصرية موجودة وحقيقة على مستوى الدول وعلى مستوى الشعوب وداخل الدولة الواحدة.

ولكن يجب مقاومتها وحربها لانها إذا دخلت العصبية فى أى شىء أفسدته . وركونك للعصبية وعدم مقاومتها تعني الجهل والتخلف فالحضارة هي ان تحترم الانسان والاخر فكرا ولونا وجنسا.

قـال تـعـالى” :يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عليمٌ خَبِيرٌ”.

قال تعالى “لتعارفوا” ولم يقل لتناحروا أو لتشاجروا أو لتفاخروا .

“لتعارفوا”: أى ليتعرف كل منا على فكر الآخر ويستفيد منه، وبذلك تدور الافكار ويحدث التبادل والتطور
دائما ما يكونز التفاخر بالأنساب هو بداية المشاحنة والمباغضة وبعد ذلك يأتى القتل.

فيا أيها السودانيون بكل قبائلكم وطوائفكم وانتماءاتكم السياسية والفكرية وبكل مذاهبكم الدينية والفكرية أناشدكم الله دعوها فإنها منتنة (وكونوا عباد الله اخوانا).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى