مقالات الظهيرة

الصديق عبد الهادي يكتب…. آن لوزارة المالية أن تكف أذاها عن مشروع الجزيرة (1 من 2)

ما كان لأحد أن يصدق بأن يُصاب وزير مالية السلطة العسكرية بهذا الجنون، إذ هو غارق حتى أذنيه في وحل جرائم إنقلاب اللجنة الأمنية وما زال يسعى وبملء الإرادة إلي إشعال المزيد من بؤر التوتر.

إن التفكير في تحويل مشروع الجزيرة إلى هيئة، وفي هذا الوقت بالذات، لم يكن صدفة وإنما تقف وراءه نوايا مفضوحة وعجز كامل عن فهم تركيبة اقتصاد البلاد، وما هو موقع مشروع الجزيرة في تلك التركيبة!

فسلسلة النوايا المفضوحة يمثل فيها الموقف المخزي لوزارة المالية في التعامل مع إنتاج القمح للموسم الفائت حلقة واحدة من جملة حلقات.

لم يكن متوقعٌ أبداً ان السيد وزير المالية وبعد هذا الموقف ان تكون له الجرأة أن تجري على لسانه حتى عبارة “مشروع الجزيرة” دعك من محاولة الإلتفاف عليه ليجعله تحت قبضته المباشرة!.

هذا نوعٌ من المسئولين فريد، لا يتمتع بالحد الأدنى من الحساسية التي يتوفر عليها كل منْ يشغل منصباً عاماً، ولو إمتلك الحد الأدنى من القدرات.

إنه وبمنصوص قانون الهيئات العامة لسنة 2003 والذي جاء بديلاً لقانون المؤسسات العامة لسنة 1996 وقانون تنظيم الهيئات العامة لسنة 1996 سيكون مشروع الجزيرة وبكل ثقله وتاريخه الاقتصادي والإداري والاجتماعي تحت إدارة واحدة من إدارات وزارة المالية، وهي الإدارة العامة للهيئات والشركات الحكومية.

لا أعنقد أن من هم في وزارة المالية يدركون الحكمة من وراء صياغة القوانين أصلاً. كان الأجدر بهم أن ينظروا ملياً لمشروع الجزيرة ولتركيبته العضوية من ناحية ملكية الأرض فقط، دعك عن موارده وليحكموا أذا كان من الممكن بالفعل أن تسعه مظلة “قانون الهيئات العامة والشركات الحكومية”.

وحتى أُضيئ لهم ما عتم عليهم أتقدم إليهم بسؤالٍ واحد، وهو لماذا أضحت الخطوط البحرية السودانية أثراً بعد عين؟، ولماذا لحق بها النقل النهري؟ ولماذا تبعتها الخطوط الجوية السودانية وقع الحافر على الحافر؟

بل في ركبها جميعاً سارت هيئة النقل الميكانيكي،؟

وبرغم ان حملة الإستهداف الشعواء كانت نفس الحملة إلا ان مشروع الجزيرة صمد ولو خرج من تلك الهجمة منهكاً وبائن الإعياء؟ هل سألتم أنفسكم يا سعادة الوزير ما الحكمة من وراء هذه المفارقة؟!.

الحكمة هي أن طبيعة التركيبة التي ينطوي عليها مشروع الجزيرة تختلف تمام الاختلاف عن تلك المؤسسات، وهي التي جعلته وتجعله عصي على الزوال ببساطة.

يكمن السر في تركيبة ملكية المورد الأساس أي في تركيبة ملكية الأرض. بمعنى أن هناك أطراف ذات مصلحة فعلية في بقاء المشروع وقانوناً وذلك مما لا يتوفر لدى “الهيئات العامة والشركات الحكومية” الأخرى، أتعلمون ذلك؟، فعليه ليس هناك من قانونٍ “بمقاس” مشروع الجزيرة إلا “قانون مشروع الجزيرة” الخاص بمشروع الجزيرة، والذي يصيغه أهل المصلحة فيه.

إن قانون الهيئات العامة والذي يتكون من 26 مادة ليس هو تقنين لإطلاق يد الدولة وحسب وإنما هو عملياً إطلاق ليد وزير المالية تحديداً وإحكام لقبضته على الهيئة المعنية من لحظة “إصدار أمر تأسيسها” (المادة 5-1) إلى وقت “التوصية بتصفيتها وإلغاء أمر تأسيسها” (المادة 24-1-ج).

وللتأكيد على ذلك فقد وردت عبارات “وبموافقة والوزير” و”بتوصية من الوزير” و”بعد موافقة الوزير” حوالي 36 مرة في مواد القانون الـ 26 مادة!

ما هو مريبٌ في الأمر بجملته هو أن وزارة المالية تخلت عن مشروع الجزيرة ومزارعيه في أحرج الأوقات، في أوقات الحصاد، وتريد الآن ان تحشرهم ومشروعهم عنوة في عداد الهيئات وتحت قانونها المذكور.

أود أن أقولها للسيد وزير المالية، أن الأمر لم يعد سياسة كما هو معلوم ومتعارف عليه وإنما أصبح إبتغاءً لفتنة، أرجو أن تكف أذاك عن المشروع وعن أهل المشروع وأتركهم يتفاكرون في إدارة حالهم بعد أن رفعت السلطة الحالية، وعن طريقك، يدها عنهم وعن همومهم. وعليك أن توقن بأن هذا الامر لن يمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى