(من أعلى المنصة) ياسر الفادني يكتب…. في سباق السلاحف المتأخر يُتَوج بطلا !!
في عالم السياسة البطيء لا يُتوج السريع ولا يُحتفى بالمبادر، بل يُصفق دومًا للمتأخر الذي يأتي بعد أن تجف الدماء وتبرد الجراح، حاملاً ورقة إدانة باردة كوجهه.
ما حدث في الفاشر كان كاشفًا، لا فقط لدموية المليشيا التي إرتكبت جريمتها ووثقتها بغبائها، بل كاشفًا أكثر لعُري المجتمع الدولي وسلاحفه التي تخرج من جحورها فقط بعد أن ترى الرأي العام العالمي مشتعلاً غضبًا ووجدانًا
ارتكبت المليشيا جريمة نكراء، صورتها وبثتها بفخرٍ مريض، لتقدم للعالم دليلًا مجانيًا على وحشيتها، وكأنها تقول: نحن هنا نقتل على الهواء مباشرة ! لكن ما لم تدركه تلك العقول المظلمة أن الكاميرا التي توثق الجريمة لا تخدم القاتل بل تفضحه، ولا ترفع من شأنه بل تسقط عنه آخر أقنعته، العالم هذه المرة لم يحتمل المشهد، فخرج الناس في المظاهرات، وارتفعت أصوات الشعوب الحرة تندد، حتى مشجعي المستديرة تركوا كرة القدم مؤقتًا ورفعوا شعارات وهتافات ضد الجريمة
أما الدول التي تملك القوة والقرار، فخرجت متأخرة بعد أن رأت المزاج العالمي، تُصدر بيانات الإدانة المنسقة لغويًا وتدعو إلى ضبط النفس، وكأن من ذُبحوا في الفاشر كانوا في مباراة ملاكمة لا مجزرة، الإرادة الدولية تلك التي تُشهر العصا على الضعفاء وتغض الطرف عن الأقوياء، ظلت تمارس عماها المزمن، كأنما أصيبت بالمياه السوداء السياسية التي تفقد البصر والبصيرة معًا
ثم ظهر فولكر، عرّاب الاضطراب ومهندس المشهد الغائم، ليطل علينا بوجهه الدبلوماسي البارد، بعد أن أشعل فتيل حرب السودان بلسانٍ ناعم وضميرٍ ميت، ترك البلاد تموج في دمائها ومضى تاركًا خلفه (سلاحف سياسية داخلية) تزحف نحو الضوء بخجلٍ مصطنع، لتقول إنها مع الشعب وضد المجزرة، وكأنها لم تكن بالأمس تسمي المليشيا (قوات دعم) وتصفها بأنها (طرف وطني).
وفي الداخل، سلاحف من نوعٍ آخر، تتظاهر بالبطولة بعد أن تنتهي الكارثة، وتتباهى بمواقفها المؤجلة، صمتت يوم سُحقت المدن، وتحدثت يوم صار الحديث آمنًا، فزحفت إلى المنصة لتتوج نفسها مدافعةً عن الوطن، كل خطوة سياسية في هذا البلد تخرج متأخرة كأنها تخشى أن تغضب أحدًا، أو تنتظر إذنًا من الخارج لتتنفس
إنه سباق السلاحف السياسي سباق البطيئين، المترددين، والذين يختبئون خلف البيانات، وفي هذا السباق المقلوب، يتوج المتأخر بطلاً، لا لأنه فعل شيئًا، بل لأنه وصل في النهاية وهو يحمل شهادة تأخير دولية
الشعوب وحدها من كانت في المقدمة، بوعيها، بانفعالها، وبكلمتها الحرة، أما السلاحف فظلت تزحف في موكبٍ من الخيبة والبطء، تحاول اللحاق بالضمير الإنساني الذي سبقها بمسافات ضوئية، وفي النهاية، حين تُرفع الكؤوس، يُصفق للسلاحف كما لو كانت هي من أنقذت الوطن، بينما الشعب ينظر من بعيد مبتسمًا بسخرية مرة، لأنه يعرف الحقيقة
إني من منصتي أتفرج…. علي سباق السلاحف السياسية، حيث أري ….أنه من يأتي متأخرًا… يُتوَّج بطلاً، إن أبطأ السباق لسباق السلاحف ! .