(مشاهد)… محمدالطيب عابدين يكتب… التكييف القانوني
من أعظم المهارات و الفنون الأساسية التي يتوجب أن يتعلمها و يتقنها و يتمهرها كل مشتغل بالقانون ( طالب ، شرطي ، وكيل نيابة ، محامي، إستشاري قانوني، و قاضي ) هو “مهارة التكييف القانوني” .
ماهية التكييف القانوني:
التكييف القانوني هو تحديد الوصف القانوني الصحيح للوقائع، أو التصرف، لربطه بمسألة قانونية معينة تمهيداً لتحديد القانون و المادة أو المواد التي يخضع لها النزاع.
والتكييف القانوني للوقائع من أهم التحديات التي تواجه القانوني، وهو مشكلة ملحة تفرض نفسها في التعامل مع البلاغات أو مذكرات الدعاوي، ثم القضايا بمختلف أنواعها و في مختلف درجات التقاضي .
التكييف القانوني بالنسبة للشرطي و وكيل النيابة:
تكمن أهمية التكييف القانوني في أنه عند عرض الواقعة على النيابة العامة بعد إنتهاء الاستدلالات والتحقيقات الشرطية التي تحدد ( *مبدئياً* ) القانون و المادة أو المواد التي تجرم الفعل ؛ يتعين علي وكيل النيابة المختص مراجعة و إعادة تكييف الواقعة المطروحة، ووصفها وصفاً دقيقاً وقيدها طبقاً لنصوص التجريم القانونية المناسبة، ومن هنا تكمن أهمية التكييف الصحيح لواقعة الدعوى بالنسبة لوكيل النيابة، لأن التكييف غير الصحيح يؤدي إلى خطأ في تطبيق القانون ، وخطأ في إجراءات التقاضي ينتج فشلاً و نتائج خاطئة .
التكييف القانوني بالنسبة للقاضي:
أما بالنسبة للقاضي، فأن النزاع المنظور أمامه يتكون من مجموعة عناصر و وقائع منتجة و غير منتجة و وسائل و دفوع قانونية و موضوعية، ومن واجب الخصوم تقديم الوقائع للمحكمة وإثباتها، أما القاضي فمهمته إعطاء هذه الوقائع أسماً و وصفاً قانونياً ينطبق عليها وهو ما يعرف “بالتكييف القانوني القضائي” .
التكييف القانوني بالنسبة للمحامي:
المحامي عندما تعرض عليه قضية تكون مهمته أن يعظم مصلحة موكلة في إطار القانون، ويكون ذلك عن طريق محاولة تكييف الواقعة بما يخدم مصلحة موكلة، من خلال محاولة إستبعاد النصوص التي إذا انطبقت على الوقائع فإنها تكييف الدعوى بما لا يخدم مصالح موكله في الدعوى، إلا أن تكييف المحامي للوقائع يجب أن يتصف بالنزاهة و المصداقية و الشفافية العالية حتى و إن كانت في غير مصلحة موكلة ، و إبلاغه بحقيقة موقفه القانوني ليكون على بينة بما يترتب عليه من واجبات ، وله من حقوق .
كذلك “مقدم الإستشارة القانونية” يتعين عليه اكتساب القدرة و المهارة الكافية على تكييف الوقائع التي يطلب منه تقديم المشورة بشأنها، من خلال إسباغ الوصف الصحيح عليها، وحتى يصل إلى إستنتاج صحيح وبالتالي تقديم إستشارة تستند إلى صحيح القانون و مادته أو مواده المعنية بالواقعة .
ومفاد ما تقدم أن التكييف عملية يجريها المشتغلون بالقانون في كل نزاع يعرض عليهم، والذي قد يعبر عنه بإصطلاح *الوصف القانوني ويقصد به تحديد إنتهاء ظاهرة معينة إلى فكرة قانونية معينة*، وهو عصب عمل القاضي إذ يخرج عن نطاق الأعمال المادية التي يباشرها القاضي وتقع في مجال أعماله الفنية الأساسية .
أقسام التكييف القانوني :
ينقسم التكييف إلى تكييف موضوعي، والذي ينطوي على توصيف الواقعة من حيث الموضوع، وذلك بتكييف الوقائع من حيث وصفها بأنها ، ( مثلاً ) عمد أو شبه عمد او خطأ، وتكييف للجريمة بإعتبارها ( مثلاً ) ، سرقة ، خيانة أمانة ، تملك جنائي، أو سرقة حدية . كما ينقسم التكييف من حيث المضمون إلى إيجابي وهو إعتبار واقعة ما جريمة، وسلبي وهو إخراج الواقعة من نطاق التجريم .
كما يرد التكييف الموضوعي على تحديد ما إذا كانت الشركة محل الدعوى شركة محدودة أم قابضة ، و ما إذا كان الطلاق رجعي أم بائن ( بينونة صغرى أو كبرى ) ؛ و تكييف دعوى المدعي ما إذا كانت حوجة ماسة ، أم إخلال ببنود القعد ( أجرة من الباطن ) ، او فشل في سداد الأجرة ، وغيرها من الحالات الموجبة لإخلاء العقار ؛ *كل هذه الحالات ( على سبيل المثال ) لا يمكن الوصول إليها دون إجراء عملية تكييف قانوني صحيحة للواقعة الماثلة أمام الشخص المشتغل بمهنة القانون .
ويتم التكييف أيضاً في ضوء القانون الواجب التطبيق، فما دامت الواقعة تخضع للقانون الوطني فإن تكييفها يتم في ضوء نصوصه ( مواده )، بعكس ما إذا خضعت للقانون الأجنبي فان تكييف الواقعة يتم طبقاً له، على أن بعض القوانين مثل القانون السوداني و المصري تجعل لنفسها المناط في تكييف العلاقة ( في حالة تنازع القوانين)، حيث ينص القانون المدني المصري في المادة (10) على أن (القانون المصري هو المرجع في تكييف العلاقات عندما يطلب تحديد نوع هذه العلاقات في حالة تتنازع فيها القوانين، لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها.)
كما يرد أيضاً التكييف القانوني على *الوقائع الإجرائية* إذا انتهت المحكمة ( مثلاً ) إلى أن الواقعة قبض وليست مجرد استيقاف أو تكليف بالحضور نتج عنه تفتيش دون إذن قانوني ترتب عليه الحصول على بينة بطريق غير مشروع .
نختم بأن التكييف القانوني الصحيح بمثابة التشخيص الطبي السليم لوصف المرض بغية تحديد الدواء أو العلاج الناجع الفعال .
هذا مع تحياتي ،،،
محمد الطيب عابدين
المحامي و الموثق
بالخرطوم
الخبير و الإستشاري القانوني
١٨ / ١٠ / ٢٠٢٢م



