مقالات الظهيرة

لواء ركن ( م ) د. يونس محمود محمد يكتب….  اللواء الركن معاوية حمد عبد الله

في حضرة الشهداء تفر الحروف كما تفر دوائر الضياء تحت سقوف الظلال ، ويعز نسج الكلام واملاء الجمل وتزيينها بالمعاني .

وأن تروي طرفا من حكاية شهيد بمقام اللواء الركن معاوية حمد عبد الله قائد الفرقة ٢٢ بابنوسة خلال تلاحق الأحداث ، وتعاقب الشهور والسنوات حتى استشهاده وفيا بالعهود بينه وأمته من خلال عقد العلاقة بينها وجيشها .

فمنذ اندلاع حرب الوكالة التي شنها المجرم حميدتي على السودان ، قامت عناصره بمناطق الحواضن بمحاصرة الفرق في مقارها في نيالا والجنينة وزالنجي والضعين وبابنوسة ، وحَرّضت باسم القبلية والدعوات العنصرية كل من به ضعف ليغادر صف الجيش الى صفوف المليشيا ، وبذلت وعودها الكاذبة للبقية بالتسليم أو المغادرة دون التعرض لهم ، ولأسباب مبررة ، سقطت كل تلك الفرق عدا الفرقة ٢٢ بابنوسة بقيادة اللواء الركن معاوية حمد ومن معه من القادة والضباط والصف والجنود ، إذ دخل عليه بعض أشقياء الادارة الأهليه من أتباع المليشيا ، يزينون له الانسحاب ، ويضمنون له السلامة ، وهو ينظر اليهم ، يتمعن في خلجات الخيانة وسمات العار الذي تلبسهم ، وتطلعهم الى تلويث كل من حولهم حتى لا يبقى شريفا يؤرقهم بحيازة قيمة ( *الشرف* ) .

كان ذلك في شهر مايو من العام ٢٠٢٣م ، فردهم معاوية خزايا مقهورين برفضه البات لخيارات السلامة على حساب قسم الولاء ( ولو أدى ذلك للمجازفة بحياتي )

ومن هنا بدأ الحصار الذي امتلأ بنَفَس التحدي ، وإصر الجاهلية القبلية ، فتنادت حشود المليشيا من كل حدب وصوب ، وجمعت قطعان المرتزقة من جنوب السودان ، واستعانت بالوافدين من الملأ الافريقي من اليائسين ، واستجلبت دهاة المحترفين من القتلة المأجورين من كولمبيا وروسيا وليبيا ، وانتظم الجمع في الأعمال الهجومية المتلاحقة ، واستخدموا كل مافي أيديهم من نيران المدافع والمسيرات والراجمات .

حيث كان المتوقع لديهم أن تسقط الفرقة ٢٢ أو تنسحب ، ولكن الفرقة بقيادتها المؤمنة الواثقة من نصر الله أو الشهادة في سبيله وهما الحسنيان ، أما حياة تسر الصديق أو ممات يغيظ العدا ، حيث فاجأت قوة الفرقة كل تلك الحشود ، فاجأتها بقدرة أسطورية على الصمود ، وادارة جريئة للمعركة ، وتوظيف حكيم للموارد المتاحة في ظرف الحصار الطويل .

مرت سنتان كاملتان وأسوار الفرقة عصية على المتسورين ، هلك من دونها آلاف المليشيا المرتزقة ، ونفقت قيادات طالما حرّضت على جيش الفرقة ٢٢ بابنوسة .

فمن هو هذا القائد الملهم لمن حوله من الضباط والقيادات الوسيطة والصف والجنود حتى يطووا كل هذه الأشهر العجاف بين التربص والحذر ، وفي وعيهم ( الوطن ) وشرف الذود عنه والدفاع بهذه الجسارة والنفس الطويل !

من الذي ينصِّبُ نفسه رمزا حيا لكل حكايات البطولة والفداء ، ولا تفقده الايام ألقه وبريقه ، ولا تزيده نار الحرب الا صلابة !

من الذي ينسج وصلا من حبال الحب والولاء لشخص القائد ، لا تقطعها خناجر الغدر ، ولا يفلها ضغط الظروف ، صراخ الجوف الجائع ، ورغبة الطبيعة في البقاء ، وغريزة الخوف ، وعوامل العاطفة البشرية ، نعم لا يستطيع ذلك الا من آتاه الله فضلا من عنده ، وأفرغ عليه صبرا ، والهمه الثبات .

فاللواء معاوية كانت رسائله اليومية عبر التطبيقات ، حروف من جراب مليئ بالحكمة والوقار ، شديد التوكل على الله ، كلما أشفقت عليه وعلى من معه برسالة تعاضد ، رد عليك بما يجعلك تشفق على نفسك من تراخي قبضة اليقين في قلبك ، كثيرا ما يردد ( *نحن* *معانا* *الله* *يا* *سيادتك* )

ظلت الفرقة صامدة وراسية رسو الجبال حتى جاء الوعد الحق بارتقاء ( القائد ) شهيدا في سبيل الله وهو يشرف على الدفاعات ، ويشارك جنوده الذود عن حمى الفرقة الممتد من حمى السودان ، وشرف أهله وحرماتهم ، ليقوم زملاؤه بموارته ثرى بابنوسة التي كسبت نسبا وزادت عزا ، وسمت شرفا بضمها رفات شهداء الفرقة ٢٢ أجمعين ، لأنهم أوفوا العهد الى أتمه ، وأكدوا بيانا بالعمل كيف يكون وعد الرجال .

باستشهاد اللواء معاوية حمد ، أذنت الاحوال بخروج من تبقى من القوات متحرفين للقتال الى مقام آخر في وعد قريب ، وما دخل الشقي عبد الرحيم أرض الفرقة المقدسة وقدل فيها كما يقدل ( *الورل* ) بعدما غاب ( التمساح ) وفاءً لوعده .

التاريخ والحكايات المروية ، وما يردده الندماء في مجالسهم ، وهمس النفس في بثها وشكوى حزنها ، كلها ستجعل من شهداء القوات المسلحة مضارب للحديث ، ومذاهب للتأمل في كيف أن في وسع الانسان ( *الجندي* ) أن ينفق من ذاته كل هذا المقدار من النفقة المباركة ، الباقية أبد الدهر في الدنيا عطرا لا ينفذ شَمه ، ولا يصفر عوده باليباس ، وماعند الله خير للابرار ، ومن أبر عطاء من شهيد نزع نفسه من نفسه وأنفقها في سبيل الله والوطن .

فلك يا معاوية في كل نَفَس من الحياة ذكر ، ولك في كلِ مجلسٍ شكر ، ولك في كل سجود دعوة خالصة ، ولك في كل قلب نَبضَ حُزنٍ عميقٍ يغمزُ بالوجع ، ولك في كل منبر مقام بليغ الكلام ، ولك في ذمة أمة السودان وجيشها وعد بالثأر ، ولك في تاريخ السودان صَدرَ الصِحاف وسطر الخُلود ، وستُذكر بابنوسة كلما جرى ذكرك بخيارات ( *حواضن* *المليشيا* *لك* ) فاخترت المعالي لأنك منها أتيت ، وعليها نذرت حياتك ، واليها ارتقيت .

فيا صاحب الرسائل اليومية ( أصبحنا وأصبح الملك لله الواحد القهار )

يعترينا والله الحزن ، ويلفنا الحرض ، لولا تذكرة تُسِري عنا عن مقام الشهادة والشهداء أمثالك ، فلك من ربك في الخالدين القبول ، ولك من جيشك التحية ، ومن أمة السودان السلام .

 

نصر عزيز ممهور بالدماء

ووعد قريب وعزم لا يلين

 

والله اكبر والعزة للسودان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى