لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد يكتب…. بقّال…. بين العفو والعيافة
العفو هو التجاوز وترك المؤاخذة عن المسيء والتسامح معه برغم القدرة على معاقبته.
أما العيافة فهي الكراهية والترفّع والتأفف والإستقذار للشئ مثل كراهة الطعام النتن.
وأصل الموضوع ما طفح به كيل الكلام عن المجرم البالغ الإجرام والإساءة في موازين الحق العام والخاص المدعو إبراهيم بقّال سراج والي الخرطوم عن الجنجويد في أسوأ ايام دهرها على الإطلاق منذُ استقرَّ بها الشيخ الأرباب بن علي في القرن السابع عشر وأسّس بها مدرسة قرآنية ثُمّ تلته التركية عام ١٨٢١م.
وحتى تاريخ الغدر بها في يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣م لم يكشف سترها مثل ما فعل واليها إبراهيم بقّال وعصاباته وقتلته المجرمون.
ولم يُشابه ليلها الذي يضجُّ بإستغاثات الحرائر وهُنَّ تحت وطأة المغتصبين إلا ليل مدينة سيبرنتسا في أيدي صرب البوسنةعام ١٩٩٥م .
والخراب المتعمّد الذي تعرّضت له العاصمة الخرطوم بأيدي الجنجويد تحت ولاية المجرم بقّال، طال كُل شئ المرافق العامّة والخاصّة، والممتلكات، والأنفس والأموال والأعراض والدماء والحُرمات والأمن والمعاش والحياة.
كُل ذلك الإجرام تمّ وبقّال هو ( *الوالي* ) يستعرضُ الخراب ويتحدى السودان بأهله وجيشه وتاريخه، يسبُّ أقذر السباب، وفاحش القول بلا سقفٍ من حياء ولا إعتبار لقيمةٍ ولا دين، حتى الدين سبّه بقّال بتركيزٍ كفري وقح.
حرّض على القتل والسحل وقصف البيوت والمدارس والمساجد، وجّه بقّال بأن تطالها الطائرات المسيّرة والقصف المدفعي بالراجمات، ووجّه بتدمير مراكز الخدمات ومحطّات الكهرباء في الشمالية وهو لاهٍ ساخر ينفثُ حقده الأسود.
وظلّ هذا المعتوه المسكون بعوامل النقص وهواجس النفس ظلّ يمارس ولايته وإجرامه حتى تمّت هزيمة الجنجويد في الخرطوم بتضحياتِ رجال أفذاذ مجاهدين، دفعوا أرواحهم فداءً لعودة الأمن للعاصمة بعدما طُرد منها هذا الجنجويدي العنصري، حيثُ زهد فيه الجنجويد.
وتطيّروا منه بإعتباره غراب شؤم جرَّ عليهم ويلات خسارة الخرطوم بإعتباره الوالي المسؤول عنها، ولا يشفع له إدّعاء التهميش وأنّه بلا سلطات حقيقية لأنه إستمر في وظيفة الوالي ومظهره يخطو في زي الجنجويد ، يحملُ عصا وجهاز إتصال ورتل سيارات قتالية محفوفًا بالحراسات.
ولما ألقته الأيام هكذا وحيدًا يندبُ حظّه وقد إنكسرت عصا السُلطة في يده، وحمله الجنجويد وزر الهزيمة.
خرج على الملأ بحيلةٍ واهية بأنَّ المليشيا ظلمته وبخست عطاءه ولهذا يُعلن رغبته في العودة إلى حُضن الوطن نكايةً في الجنجويد ، يعودُ لدولة ٥٦ حتى يغيظ غريمه الربيع ، أو يبتز المليشيا بموقفه وما عنده من معلومات.
وكُل ذلك محض هراء، فالفرز العنصري ليس جديدًا في المليشيا التي قامت على أساسه ، والإسراف في القتل والقسوة والبطش سمات ملازمة لقطعانهم، والبذاءة مفردات كلامهم المعتاد ، وقد جاراهم بقّال في كُل ذلك وتجاوزهم فيه.
والآن بعدما وجد نفسه كسيرًا مهزومًا منبوذًا مطرودًا يحاولُ العودة ويطلب العفو والمغفرة ، ويعتذرُ ( *بقوّة عين* ) لياسر العطا يستعطفه ويستلطفه، ويرسل إعتذارًا عامًا ليتشاركه جميع من فقد نفسًا وأُنتهك شرفه وتدمّر بيته ونُهب ماله وأُخرج من دياره كل هؤلاء يسترضيهم بقّال والي الخرطوم المجرم يسترضيهم ( *بإعتذار* ).
فأيّ ظن سيء هذا بأهل الخرطوم حتى يجرؤ بقّال أن يحدث نفسه بالعودة وكأنَّ شيئًا لم يحدُث.
عندما فتح الرسول ﷺ مكّة عفى عن كُل أهلها بخصومتهم العامّة ، ولكنّه حدّد نفرًا بأعينهم وسوء سلوكهم وطبائع جرمهم ونوعية ممارساتهم، وأمر بقتلهم ولو وجدوا متعلّقين بأستار الكعبة إمعانًا في القصاص وتحقيقًا للعدالة وردًا للحقوق منهم الحويرث بن نفيد ، ومقيس بن صبابة.
وسارة مولاة بني عبد المطلب وهذه كانت ( *إعلامية* ) تنقل الأخبار وتكشف الأسرار ، وهبار بن الأسود الذي روّع السيدة زينب حتى أجهضت جنينها ، فكم هُن اللائي أجهضهن خوف بقّال وكلابه الجنجويد ؟ فأولئك قتلوا جميعًا ، ولم ينجُ منهم إلّا عبد الله بن ابي السرح الذي شكّك في صدق الرسول ﷺ ، فاستأمن له سيدنا عثمان وظلّت هذه منقصة في حقه إلى الأبد.
وبناءً على ذلك فالسودان ليس في حاجةٍ لعودة بقّال وأمثاله، ولئن عادوا تحت أيّ ظرف فمكانهم المحكمة التي قضت على المئات من المتعاونين مع المليشيا بالإعدام.
فأمثال بقّال لا مكان لهم بين أهل السودان البتّة ولن يشفع لهم إعتذارٌ ولن يُقبل منهم صرفًا ولا عدلًا،
وكان أحرى به أن يواصل العمل مع الجنجويد الذين إختارهم على حساب الحق والوطن.
وماذا لو كانوا ما يزالون يسيطرون على الخرطوم العاصمة ؟
هل كان بقّال الوالي سيعتزل الولاية ؟
هذا الآفة البشرية عافهُ الناس، عافوا سمته وملامحه المزيفة وقُبح نفسه في مرآة وجهه، وعافوا سلوكه المضطرب الإختيارات والمواقف.
وعافوا بذاءة لفظه وقذارة لسانه وهو يطفح بالفحشاء والمنكر.
عافوه وهو يسبُّ ( *الدين* ) بجرأةٍ على الله لا تُغتفر.
عافوه وهو يتمنّى قتل الناس في بيوتهم والأطفال في مدارسهم والمصلّين في مساجدهم.
عافوه وهو متنقلًا بين سجون المليشيا في ولايته الخرطوم وهم تحت أقبية العمارات وفي الحاويات المُغلقة يموتون في فجيعة.
عافهُ الناس وهو يزيّن كل جرائم المليشيا التي لن ينساها الناسُ أبدَ الدهر ولا ينبغي لهم نسياناها ولا مغفرتها ولا التسامح مع من إرتكبها.
ولعلَّ هذا هو الموقف الشرعي والقانوني ، والأخلاقي ، وبكُل قياسات الحسّ الإنساني السويّ أن يقف بقّال في المحكمة ليُحاكم بكل جريمةٍ أُرتكبت في الخرطوم أثناء ولايته عليها.
أما من يدعّي التسامح وطيّ صفحة الخصومة فإنه يتعدّى بسفورٍ على قِيّم العدل وآيات القصاص، ويحمّلُ على الإنسانية إصرًا ثقيلًا لا قبل ولا طاقة لها به بالتعايش مع القاتل المغتصب المسيء، وهو تسويقٌ لعاطفةٍ كاسدة لا تبردُ حشا، ولا تجلبُ راحة ، ولا تشفى صدرًا.
بقّال وأمثاله لا مقام لهم بين أهل السودان وعليهم أن يغرقوا في اليّم فقد أوكت أيديهم، ونفخت أفواههم.
ألا لعنةُ الله على الظالمين.
*بَــلْ بـَـسْ*