مقالات الظهيرة

عميد م/ إبراهيم عقيل مادبو يكتب… ”جا يكحلها عماها“ … حين يتحول النفي الأوكراني إلى إثبات!!

في معرض نفيه وإنكاره لدعم كييف لمليشيا الدعم السريع الإرهابية في السودان، قام ممثل السفارة الأوكرانية في مصر، فلاديسلاف رودنيك، بتقديم الأدلة المجانية على وجود المرتزقة ومشاركتهم في الحرب الوجودية ضد السودان.

فبدلًا من توضيح الحقيقة وتبديد الشكوك، قام بتعزيز التهمة، تاركًا انطباعًا بوجود كذبة محبوكة بعناية، لقد أنكر الدبلوماسي الأوكراني وجود المرتزقة الأوكرانيين وقال بالنص هذه محض بروباغندا، بل وأتهم الجيش السوداني، بتشتيت انتباه المجتمع الدولي باللجوء إلى الحديث عن وجود الطابع الأوكراني.

وفي سقطة دبلوماسية ولحظة غباء أثبت حقيقة مشاركة المرتزقة في الحرب المفروضة على السودان قائلاً: نحن لا ندعم المليشيا والحقيقة أن المرتزقة الذين يقاتلون في صفوف المليشيا هم من كولومبيا وجنوب السودان وتشاد.

وأن دولة أوكرانيا لا تزود الدعم السريع المتمرد بالسلاح، ثم ترك الباب مفتوحاً لمزيد من الإنكار وهو يقول “وإذا وصل شيء إلى السودان، فإن ذلك يتم فقط من خلال الشركات الخاصة “.

وهذا القول يعيد للأذهان ما تم تداوله سابقا عن قنوات قامت أوكرانيا من خلالها مرارًا وتكرارًا بتصدير فائض المعدات العسكرية إلى مناطق النزاعات في أفريقيا.

يبدو أن السفير الأوكراني لا يعلم أن هناك مسؤول أوكراني رفيع، وهو المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية إيليا يفلاش قد أعلن في تصريح وبيان مشهود بثته شبكات التلفاز والصحف الورقية العالمية والميديا الإلكترونية يوم 7 يناير 2025م عن مشاركة مدربين أوكرانيين في مجال “حرب المدن” في السودان لصالح مليشيا الدعم السريع المتمردة ومؤكدًا أن ذلك تم بموجب دعوة من قائد قوات مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو مما أثار في ذلك القوقت جدلًا كبيرًا حول أعتراف أوكرانيا بتدخلها في حرب السودان، وقد تسبب تصريحه في فضيحة كلفته مسيرته المهنية حيث تمت إقالته بعد 29 يوماً من تصريحه وكانت اقالنه في يوم 6 فبراير دون إبداء أي أسباب.

وبعد شهر من ذلك، جاء تصريح المتمرد عمران سليمان، المستشار لقائد قوات الدعم السريع المتمردة، حيث أكد على أن أوكرانيا تعتبر صديقًا للشعب السوداني وتعمل بجد لإنهاء النزاع في أسرع وقت وبذلك يصبح هذا اعتراف جديد مرة أخرى بتعاون مليشيا الدعم السريع وأوكرانيا.

أوكرانيا ليست وحدها في التدخل في الحرب على السودان، فهناك قوى اخرى تدخلت بسبب الأهتمام الخارجي الكبير بموقع السودان الاستراتيجي في أفريقيا ودوره الهام في العلاقات الإقليمية، وموارده غير المستكشفة، فهناك دولة الشر الإمارات العربية المتحدة وتوابعها مثل تشاد وليبيا ودولة جنوب السودان واثيوبيا.

هناك أدلة مباشرة وموثقة على وجود مرتزقة أوكرانيين يعملون مع مليشيا الدعم السريع المتمردة بالقرب من الفاشر عشية سقوطها، وكذلك أدلة على تورط مشغلي المسيرات الاوكرانيين في الهجمات على بورتسودان في مايو من هذا العام، ثم على أم درمان ووادي سيدنا، بل وفي ولاية الجزيرة عندما حررها الجيش، وحتى لا ينسى الناس نذكرهم أن الشواهد على وجود المرتزقة الأوكرانيين بدأت في الظهور منذ بداية الحرب، ويمكن استخدام محركات البحث لإظهار وإثبات هذه الحقيقة.

تشير التقارير الاستخباراتية والميدانية الموثقة إلى أن أوكرانيا لم تكتفِ بمجرد تقديم دعم تقني أو لوجستي لقوات الدعم السريع المتمردة، بل تجاوزت ذلك إلى إرسال أسلحة ومقاتلين وخبراء في تشغيل الطائرات المسيّرة ومنظومات الدفاع الجوي، وأثبتت معلومات الإستخبارات السودانية إن المقاتلين والمستشارين العسكريين الأوكرانيين ينشطون في عدة مواقع كانت تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع المتمردة وقد ساهموا في إسقاط طائرتان تابعتان للجيش السوداني، وتم تأكيد ذلك بعد العثور على أسلحة تحمل علامات أوكرانية في المناطق التي استعادها الجيش.

 

وأيضا عثرت قوات الفرقة السادسة مشاة بالفاشر قبل انسحابها على أسلحة أوكرانية كانت على متن عربات النقل التي تم تدميرها أو إعطابها، وتم اعلان ذلك في سياق بيان رسمي صادر عن القوات المسلحة السودانية يوم الأحد الموافق 1 أكتوبر، أُعلن فيه عن نجاح عملية عسكرية حاسمة أسفرت عن القضاء على مجموعة كبيرة من المرتزقة الأجانب من بينهم أوكرانيون وكولومبيون، حاولوا بالتعاون مع عناصر من مليشيا الدعم السريع المتمردة، تنفيذ هجوم على مدينة الفاشر شمال دارفور.

كما أن الناطق الرسمي باسم القوة المشتركة العقيد أحمد حسين أصدر بيان موثق بأن مرتزقة أوكرانيين يلعبون دوراً حاسماً في دعم مليشيا الدعم السريع المتمردة في الحرب على السودان، مشدداً على أن هؤلاء المرتزقة يعملون كخبراء فنيين في المدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة، التي تستخدمها المليشيا في شن هجمات مدمرة على مدن دارفور وبقية الولايات السودانية في الشمال.

يبدو أن الدور الأوكراني مع قوات الدعم السريع هو موقف ضد روسيا التي تقف في صف السودان خاصة في المحافل الدولية وهذا الدور القذر يحمل الكثير من الدلالات التي تثير تساؤلات كبيرة حول وجود لوبي دولي وأقليمي ضد السودان، ومن الأدلة الموثقة على الإرتزاق الأوكراني في السودان تصريح المبعوث الخاص لأوكرانيا في أفريقيا والشرق الأوسط مكسيم صبح، ففي مقابلة مع ”العربي الجديد“ في 18 فبراير 2025م، ذكر بأن المواطنين الأوكرانيين يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع وبصفتي مسؤولاً.

أجد نفسي مضطراً لأن أشير بأسف إلى أن بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في النزاع بصورة فردية، ومعظمهم إلى جانب قوات الدعم السريع، ويكفي هذا التصريح مع ما سبقه من تصريحات، ومن أوجه وشخصيات رسمية من المسئولين الأوكرانيين، لمعرفة المدى الكامل لدعم أوكرانيا لقوات الدعم السريع المتمردة.

 

وهناك حادثة مشهورة داخل السودان فمع تقدم القوات المسلحة لتحرير مدني، تم الكشف عن العديد من مستودعات الأسلحة التي تحتوي على أسلحة تحمل الشعارات أوكرانية وبعد تحرير ود مدني، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي الرسمية للجيش صورة لجندي أوكراني قُتل في ود مدني بعد دخول الجيش السوداني للمدينة وتحريرها من الدعم السريع. وتردد أن الجندي الأوكراني القتيل متخصص في تشغيل الطائرات الهجومية بدون طيار التي تستخدمها قوات الدعم السريع في المعارك ضد الجيش في مناطق مختلفة، وهو ما يتماشى مع المعلومات التي يتم تداولها حول قيام السلطات الأوكرانية بتزويد الدعم السريع بالمقاتلين والطائرات بدون طيار والخبراء.

خاصة التحقيق الذي نشرته صحيفة كييف بوست أكبر الصحف الأوكرانية وظهرت لقطات فيديو لقوات أوكرانية وهي تقوم بعمليات خاصة على أراضي السودان، ثم اعترفت الصحيفة الأوكرانية في وقت لاحق بأن القوات الأوكرانية تعمل في السودان منذ فترة.

والسؤال الذي نطرحه الان هو: ما الذي يدفع أوكرانيا للتدخل في الحرب التي تتسبب في تدمير السودان؟ الأمر الأساسي هو حقيقة أن أوكرانيا تنحاز إلى قوات الدعم السريع في هذا الحرب لمواجهة روسيا التي تدعم السودان والجيش، فأوكرانيا المجبرة على التراجع في مواجهة الجيش الروسي على أراضيها، تبحث عن أي فرصة لإلحاق الضرر بروسيا في مكان ما على الأقل، حتى لو كان في أفريقيا، ولكن هذا جانب واحد فقط من هذه المعادلة، أما الجانب الآخر، والذي لا يقل أهميةً، فهو أن أوكرانيا أصبحت تحت دين كبير للدول الغربية والولايات المتحدة بسبب دعمهم لها وهي الآن مجبرة على العمل كوكيل لهم في أفريقيا.

وقد أصبح هذا واضحًا بشكل خاص بعد تصريحات ترامب بشأن ديون أوكرانيا.

فقد قرر الغرب، بعد أن خاب أمله في النظام الأوكراني، استخدام القوات الأوكرانية والمتخصصين الأوكرانيين كمرتزقة للقتال في الخارج، مما اضطرهم للقتال على عدة جبهات أفريقية وآسيوية وهكذا وجدت اوكرانيا نفسها تعمل كمرتزق، ففي النصف الثاني من العام 2024م، طفت فضيحة صاخبة في مالي، عندما علم العالم بأسره أن أجهزة الأمن الأوكرانية رعت ودربت مقاتلي أزواد (خلية أفريقية تابعة لتنظيم القاعدة) وأشرفت على هجومهم على القوات الحكومية. في ذلك الوقت، قطعت مالي والنيجر علاقاتهما الدبلوماسية مع أوكرانيا.

لقد أثيرت قضية دعم أوكرانيا للإرهابيين في أفريقيا في مجلس الأمن الدولي، ولذلك يجب على السودان أن يسعى لتفنيد رواية السفير الأوكراني ومواجهة اوكرانيا بكل الحقائق المكتشفة حديثًا وتعاونها الوثيق مع مليشيا الدعم السريع الإرهابية وفضح الدور الأوكراني في تأجيج وإطالة أمد الحرب في السودان.

في النهاية، وبدلًا من التوضيح، لم تقم السفارة الأوكرانية سوى بتعزيز الشكوك. إذا كانت هذه مناورة دبلوماسية، فإنها فاشلة، فالجميع يعلم الآن بوجود دعم، والأمر أعمق بكثير من مجرد ”شركات خاصة“، إن الصراع السوداني، الذي أودى بحياة مئات الآلاف من الأرواح، ينزلق في منحنى ليصبح ساحة أخرى من ساحات الصراعات الجيوسياسية العالمية، حيث تلعب أوكرانيا وغيرها من الدول دور مخلب القط الماكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى