مقالات الظهيرة

صهيب حامد يكتب…. لماذا لا يذهب البرهان لأنقرة مباشرة بعد الذي حدث في الفاشر!!!

ومع الهبّات العديدة التي إنتظمت العالم تنديداً بالذي حدث في الفاشر ، كانت غضبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هي الأعنف.

فلرئيس هو الأمهر الآن في اللعب بمعادلات السياسة داخلياً وإقليميا ودولياً ، هو كذلك يتنفس التاريخ بنفس الحذاقة ليعلم مدى عمق علائق بلاده بالسودان

لذا فهو يعلم جيداً رمزية الفاشر للدولة التركية ، فرغم وقوعها على مرمى حجر من خط الإستواء ولكن مثّلت الفاشر رمزية الحكم التركي في دارفور منذ العام ١٨٧٤م وإستمر ذلك حتى بعد خروج الأتراك من السودان حيث والت (إستنابول) دعم السلطان على دينار عبر (برقة) في ليبيا بالأسلحة في مواجهة الإستعمار البريطاني الذي بدأ آنذاك تربصه بسلطنة الفور لإحتلال كرسي الحكم فيها (الفاشر) وهو ما حدث فعلاً في العام ١٩١٦م (وقد كانت الإمبراطورية التركية آنذاك تتهاوى بفعل معاول أتاتورك) ،ذ.

وهو نفس الذي حدث في أواخر أكتوبر ٢٠٢٥م (أي بعد ١١٠سنة) حين دخلت قوات الجنجويد المسنودة إماراتياً (الفاشر) كي نعلم أي مرارة كان يتجرّعها إردوغان وهو يلقي خطابه الغاضب عن الفاشر في تلك المنصة ، وهي نفس المرارة التي تجرعتها الدولة التركية لأكثر من قرن ولم تذل في حلقها إلى اليوم!!.

 

إن دخول مليشيا الدعم السريع المسنودة أماراتياً (الفاشر) لهو يعدل بالنسبة للدولة التركية دخول القائد العسكري البريطاني (هربروت هدلستون) قائد حملة فتح الفاشر لقصر السلطان علي دينار في ١٩١٦م ، إذ يمثل ذلك رمزية لهزيمة الحليف التاريخي للدولة التركية وإنتصار الحليف الإستراتيجي للإمارات في السودان (المكوّن الرعوي). فتركيا في ظل نموها لتصبح دولة عظمى وقد تجاوز دخلها المحلي الإجمالي مبلغ الترليون دولار تهفو للعب أدوار امبراطورية في مناطق نفوذها الثقافية والتاريخية. فتركيا اليوم ترعى (منظمة الدول الناطقة باللغة التركية) التي تضم إلى جانب تركيا كل من أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان وغرغيزستان وأوزبكستان ،

وهنا تتلاقى المصالح التركية الأمريكية حيث سوف يبقر هذا التحالف العابر لآسيا الوسطى بطن المصالح الروسية والصينية هناك خصوصا وأن تلك المنطقة تمثل القلب النابض للمشروع الصيني الاعظم في التاريخ (مشروع الحزام والطريق) ومن هنا نفهم الغزل المتبادل دوماً بين كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان حيث أن الدور التركي هنا سوف يضعف كل من الصين وتركيا.

ولكن هنا في السودان فإن المصالح التركية الأمريكية فتتقاطع نتيجة التحيز الأمريكي الواضح إلى جانب حليفتها الإماراتية التي تستخدم مليشيا الدعم السريع كمخلب قط لمصالحها في السودان!!!.

 

 

ولكن ثمة عائق كبير للدور التركي في السودان وهو الفيتو المصري على مثل هذا الدور في السودان ، فالمصريون رغم كونهم مستعمرة سابقة كذلك للإتراك مثلهم مثل السودان ولكنهم يتخوفون من تمدد النفوذ التركي فيه ، فالقوة الإقتصادية والطموح الإمبريالي التركي يتجاوز قدرة الدولة المصرية على اللعب معها في نفس الميدان.

وهكذا تضطر الدولة المصرية الضغط على الجيش السوداني (هي داعم لا ينكر لهذا الجيش إلى الآن) كي يبتعد عن الدعم التركي ، رغم ان الإمارات في كثير من الأحيان تجعل مصر تنأى عن دعم حليفها الجنوبي وهي مراودة تمارسها الإمارات وتستجيب لها (القاهرة) في أحايين كثيرة طمعاً في الحوافز الإقتصادية الاماراتية وهو عين ما حدث في المثلث (حيث كان يمكن للمصريين لعب دور أساسي في منع ذلك) وأخيرا كذلك ما حدث في الفاشر حيث لم تعي الدولة المصرية وجيشها فداحة ما حدث الا بعد أن وقع الفاس في الرأس!!!. بلا شك فللأتراك القدرة على لعب الدور الأساسي في هزيمة (الإمارات) وهي تفكر في إجتياح باقي السودان إنطلاقا من دارفور عبر المليشيا المتمردة  .

فللأتراك مصالح لا تخطؤها عين في وقف تمدد النفوذ الإماراتي في السودان رغم تلاقي المصالح الإماراتية والتركية في الفترة الأخيرة خصوصا في ليبيا بعد الإتفاق بين حفتر وتركيا بخصوص الحدود البحرية بين تركيا وليبيا. ولكن أيضا فلقد تقاطعت المواقف التركية والإماراتية بخصوص ملف غزة حيث حاولت الإمارات إيقاف صيغة ترمب للحل هناك في حال بقاء (حماس) ، بعكس الموقف التركي المساند للموقف المصري في ضرورة بقاء حماس في المعادلة.

 

ولكن كي لا يخسر الجيش السوداني الحليف المصري يمكنه اللعب بالبيضة والحجر في العلاقة مع كل من مصر وتركيا وذلك في الذهاب لتركيا بالشباك إن تعذر التعامل معها بالباب ، وهي مقاربة يمكن للمصريين أن يغضوا الطرف عنها خصوصاً بعد أن كادت تصل الخسارة المصرية في السودان لمدى إستراتيجي قد لا يمكن معالجته إن تمادت الدولة المصرية كثيرا في الإنبطاح للحوافز الإماراتية!!!. فلقد إستطاع المصريون الصمود أمام الإمارات بخصوص ملف غزة حيث حاولت أبو ظبي ثني الأيادي المصرية لإقصاء حماس من صيغة الرئيس ترمب للحل في غزة ولكن قاوم المصريون ذلك بقوة لرؤية المصريين الأهمية الإستراتيجية لوجود (حماس) للوقوف في وجه المطامع الإسرائيلية في تهجير الفلسطينيين إلى (سيناء). وكذلك وبعد أن وصل الأمر في السودان لدرجة سيطرة الإمارات على الفاشر فليس أمام المصريين اليوم سوى غض الطرف عن قيام الآخرين بالدور الذي لم يستطيعوا القيام به ولله المثل الأعلى..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى