مقالات الظهيرة

ذكريات في عيد الأضحى الجريح!!

الظهيرة – بروفيسور عوض إبراهيم عوض:

وسط هذا الركام من الأحزان والمرارات التي تسربل مجيء عيد الأضحى هذا العام دعونا نركن للذكريات علها تزيل عنا درن الغبن الذي يعترينا.

وتطوف بي الذكرى هذه المرة في جمهورية أوزبكستان التي قضينا بها واحداً من أجمل أعياد الأضحى في حياتنا.

كنا في معية رئيس السودان السيد الصادق المهدي، حيث ذهبنا معه للاتحاد السوفيتي.

وبعد زيارة موسكو ولقاء الحكومة في قصر الكرملين ركبنا طائرة الإيروفلوت الروسية الصنع وطرنا إلى جمهورية أزبكستان التابعة لجمهوريات الاتحاد الخمس عشرة.

وهبطنا في عاصمتها طشقند في ضيافة الرئيس سليموف الذي اصطحبنا مع عدد من وزرائه إلى مدينة سمرقند الشهيرة.

وهناك كانت ليلة عيد الأضحى المبارك فبدأوا لنا الاحتفال بزيارة الإدارة الدينية للجمهورية.

حيث وقفنا على المنشآت الإسلامية العديدة التي شيدها المسلمون الذين يمثلون نسبة 100% من سكان طشقند وسمرقند وبخارى.

ووقفنا على آثار ما دمره زلزالها الشهير في عام 1968م. وكانت حكومتهم فخورةً بجهود أبنائها وأصدقائهم من أرمينيا وموسكو وسيبريا وأوكرانيا الذين أسهموا في إعادة التعمير بشكلٍ أفضل مما كان في الماضي. وزرنا العديد من المعالم والأحياء السكنية التي وقفت شاهداً على الجهود الجبارة لأبناء الدولة في إعادة البناء والتعمير.

كانت سمرقند في بهاء المدن الكلاسيكية العريقة، حيث امتلأت بموروثاتها الحضارية وآثارها القديمة ومساجدها العريقة وشوارعها التي تسبح بحمد الإله. ومظهر الناس في كل الشوارع يوحي بتغلغل الإسلام في حياتهم حتى النخاع.

فلجميعُ يلبسون طاقيةً سوداء مزركشة بخيوطٍ لامعة تجذب إليها الأنظار، وتميزهم عن بقية الديانات والمعتقدات في آسيا الصغرى.

ولاعتزازهم الشديد بهذه الطاقية التي أصبحت رمزاً لهم أهدوا لكل واحدٍ منا واحدةً منها لتكون جزءاً من سجل الذكريات.

زرنا في ذلك اليوم ضريح الإمام البُخاري في قرية خرتنك التي لا تبعد كثيراً عن سمرقند.

وكان اليوم التالي هو الخميس 13 أغسطس يوم عيد الأضحى فطلبت إدارة مسجد المدينة الكبير من السيد الصادق المهدي أن يقدم خطبة العيد للمسلمين الذين تقاطروا من كل أنحاء سمرقند حتى ضاق بهم المكان.

والغريب أنَّ كل رجال الأمن والحرس الروسي من أعضاء الحزب الشيوعي المرافقين لنا قد حضروا معنا تلك الصلاة حُفاةً خاشعين داخل المسجد وكأنَّ لسانَ حالهم يرجو المتاب إلى رب العباد.

بعد ذلك توجهنا مع الرئيس سليموف إلى الكلوخوزات، وهي المزارع الجماعية التي استنبطتها الدولة بعد إنهاء النظام الإقطاعي الذي كان يسيطر على رؤوس الأموال ويستغل طاقات الفلاحين والعمال البسطاء.

وكانت زيارتنا لكلوخوز (لينينيزم) في ضاحية (ماري) حيث مررنا بمزارع العنب والبطيخ والشمام التي تشتهر بها الجمهورية. وبكل الصراحة أقول إنني لم أر بطيخاً في حياتي بهذه الحلاوة وهذه الوفرة، حيث تمتد المزارع على مد البصر.

وعرفت أنها تمون به موسكو وكل جمهوريات الاتحاد السوفيتي المختلفة.

بعد ذلك سافرنا بالسيارات إلى مدينة (بُخَارَىْ) مسقط رأس (الإمام البخاري) ووصلنا إليها وسط حفاوة أهلها الذين جاءوا للترحيب بنا لأن احتفالات عيد الأضحى لم تنته بعد. وزرنا مسجد الإمام البخاري ذا البناية الفخمة والذي حوى مكتبةً إسلاميةً كبيرة وأقساماً لتحفيظ القرآن ورياضاً للأطفال. والإمامُ البخاري ليس هو الوحيد بين أئمة وعلماء المسلمين الذي جاء من تلك البلاد وإنما شهد تاريخ الإسلام لأوزبكستان وقازاخستان وأزربيجان بالفضل في دفع الإسلام بفطاحلة العلماء والمجاهدين بينهم الإمام البخاري، وأحمد بن محمد الخوارزمي، والحافظ أبو عيسى الترمذي، وأحمد بن شعيب النسائي، وأحمد بن حنبل، وأبو نصر طرخان الفارابي، وأبو منصور الماتريدي، وأبو محمد بن عبد الرحمن الدارمي، وأبو القاسم محمد الزمخشري وغيرهم من عظماء أئمة الإسلام. وفي أحد زوايا المبنى الفاخر للمعهد الإسلامي التابع لمسجد الإمام البخاري والذي هو جزءٌ من هذا المجمع الكبير رأينا جناحاً للقرآن الكريم طلبوا من السيد الصادق المهدي زيارته فوافق. ولما دخلناه فوجئنا باسم جعفر محمد نميري مكتوباً بالخط العريض على لوحاتٍ مُعلقة في مداخل الجناح، وقال مُرافقنا: (إنَّ هذا الجناح بجميع ما فيه من المصاحف وأمهات المراجع الدينية جاء هدية من رئيس السودان السابق جعفر محمد نميري لمسلمي آسيا، ولذلك رأينا أن نكتب اسمه على كل أركان الجناح وفاءاً وتقديراً لهذه الهدية القيمة). يا الله لقد سبحنا في خضم الذكريات ليتها تغسل عنا أدران هذا الواقع الذي يجيء به عيد الأضحى الجريح هذا العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى