مقالات الظهيرة

د. الحسين تاج الدين أحمد يكتب في (درب التبانة)…. الوفاء النوبلي

يتهافت العالم أجمع لمعرفة الفائزين بجائزة نوبل، التي طالما شغلت العالم اسماً ومعرفة؛ حيث يكون التركيز على الفائز والإنجاز الذي حقّقه، وتتضارب الأصوات حول من يستحقّها ومن لايستحقّها، دائماً يبذل السياسيين أقصى جهودهم لنيلها من أجل التباهي لا الإنسانيّة!!! لأنّه قلّما ينظر السياسي للإنسانيّة لا سيّما وأنّه السبب في انتكاستها.

ذكرت مراكز السودان كأحد المرشحين تكهّناً بأن تكون هي الفائزة، والتي تستحق أكثر من ذلك في الحقيقة؛ لأنّها مثلت الوطن والإنسانية بكل معانيها وجسّدتها في أحلك الظروف، ولكن الإنسانيّة في الوقت الحالي أصبحت صكوكاً تمنح لمن لا يستحق.

السودان ضرب أروع الأمثلة في الإنسانيّة على وجه الكرة لكنّ عين الرضى لن تراه؛ لأنّه السودان!!!!!! أحد رواد هذه الإنسانيّة هو المغترب السودانيّ الذي عاش في صمتٍ لا يعرفه إلّا من عاشه، وفي مسافاتٍ لا تُقاس بالكيلومترات، بل بالحنين والوفاء، واصل آلاف المغتربين أداء دورهم الإنسانيّ والأسريّ في دعم أسرهم ووطنهم، حاملين على أكتافهم هموم الغربة وأحلام العودة، وتاركين بصمات من التضحية والوفاء في كل بيت سودانيّ، يحرص المغترب السودانيّ على إرسال جزء كبير من دخله لأهله في السودان، رغم التحديات الاقتصاديّة التي يواجهها في بلاد المهجر؛ حيث تفرّد عن غيره بهذا الإنفاق الذي يمتدّ من الأسرة إلى الجيران والأصدقاء، وأضحى السمة البارزة في شخصيّته، والتي لم تكن فيهم لا رياء ولامنّة قطعاً.

لكنّها جاءت من منطلق التكافل الدينيّ المزروع فيهم منذ نعومة أظفارهم، ولا تقتصر تحويلاتهم الماليّة على سدّ الحاجات اليوميّة، بل تمتدّ لتغطية تكاليف التعليم، والعلاج، والزواج، بل وحتى بناء المنازل وإقامة المشاريع الصغيرة التي تعزّز الاستقرار الأسريّ.

يفوّت المغتربون لحظات لا تُعوّض: أعياداً، أعراساً، مآتم، ولادة الأبناء، حتى لحظات المرض والشيخوخة. ويعيشون الغربة بكل تفاصيلها، ويكتمون ألم البعد عن الأهل، في سبيل مستقبل أفضل لهم. كثير منهم لم يروا أبناءهم يكبرون، أو آباءهم يشيخون، لكنّهم ظلّوا حاضرين بالمال والدعاء والاتصال. في مجتمعات جديدة، يواجه المغترب السوداني صعوبات اللغة، الثقافة، والعنصريّة أحياناً. ومع ذلك، يسعى للحفاظ على لقمة عيشه من أجل أن يعيش غيره في أمن وسِتر واستقرار.

وفي الحرب الأخيرة، أثبت المغترب السودانيّ أنّه ليس بعيدًا عن وطنه، بل أقرب إليه ممّا يظنّ الجميع؛ حيث أعلن الاستنفار الماليّ لشتّى الاحتياجات، إنّ تضحيات المغتربين ليست مجرد تحويلات ماليّة، بل هي قصص حبّ، ووفاء، وكرامة. هم سفراء الإنسانيّة معلمين ومهندسين بشتى الطرق ورسموا دربًا مضيئًا كدرب التبانة، يحمل في طيّاته الوفاء والإخلاص.

مع تحياتي
د. الحسين تاج الدين احمد
الدوحة – قطر
huseintagaldeen@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى