مقالات الظهيرة

تعالوا نتنادي من اجل سلامة الوطن وترسيخ قيم الوطنية… الحلقة السادسة

الظهيرة- عبد الله حسن محمد سعيد:

المجتمع المدني ودوره في تحقيق الديمقراطية…ان انتشار مفاهيم بارزة مثل الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وحقوق الانسان للحد من تسلط الدولة.

ادي الي ظهور مفهوم المجتمع المدني وبروز دوره الرائد في العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي واستفادة الدولة من ذلك في تنفيس الاحتقان والتوتر السائد بين قطاعات المجتمع مما يخلق الي حد ما التوازن في علاقات الدولة بمواطنيها واستقرار نظام الحكم السائد.

المجتمع المدني هو مجتمع منظم ينشأ في بيئة مدنية نزاعة للاجتماع حماية لمصالحها وتنظيما لحياتها واهتماما ببيئتها ومحافظة علي مكتسباتها المختلفة ومراعاة تطور الحياة في كل مفاصلها .. يعتبر المجتمع المدني احد اهم معالم النظام الديمقراطي وتعتبر الديمقراطية هي المنهج السياسي الفعال للحكم و لأحياء المجتمع المدني وتطويره ليؤدي دوره المجتمعي.

لذا فالعلاقة بين الديمقراطية والمجتمع المدني هي علاقة استراتيجية وجودية متلازمة حيث لايمكن تحقيق الديمقراطية بدون وجود مؤسسات المجتمع المدني السياسية والاهلية والمدنية ولا يمكن لمنظمات المجتمع المدني ان تنشأ و تقوم بدورها دون الديمقراطية كمنهج حاكم وهادي ومنظم ..

ومؤسسات المجتمع المدني وتنظيماته هي الاجسام التي ينشئوها المجتمع المدني لتملأ الفراغ بين المجتمع افراد وجماعات والدولة وتراعي مصالحه وتدافع عن حقوقه .

و لايمكن أن يزدهر المجتمع المدني الا في دولة ديمقراطية تعترف بحقه في التنظيم وحريته في المطالبة بحقوقه المختلفة .

ان الديمقراطية كانت ولاتزال ضرورة لكل عصر ولكل مجتمع حيث ان كيان الانسان يتحدد بمجموعة من الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية ضمن الاطار الديمقراطي الذي يضمن لأفراد المجتمع في الاسرة او تجمع العمل او التجمع الاهلي او التجمع المنهجي السياسي ممارسة تلك الحقوق والحريات وقيام مؤسسات المجتمع المدني الاقتصادية (شركات وبنوك و مشروعات ).

والاجتماعية (نقابات وروابط واتحادات مهنية ذات طابع غير سياسي ) والسياسية المنظمة وفق منهج وعقيدة وفكر (احزاب ومجالس منتخبة ) والثقافية (مدارس وجامعات ومراكز ابحاث واندية ومسارح ).

والمجتمعات الاهلية (من طرق صوفية وادارات اهلية وهي منظومات غير سياسية تحفظ هوية المجتمع وتحفظ توازنه الاجتماعي ).

فالديمقراطية تعتبر طريقة مثلى لتنظيم العلاقات داخل المجتمع تنظيما مؤسسيا فهي توجه الصراع والمنافسة المشروعة لخدمة وتطوير المجتمع .

أن دور الافراد في ممارسة حقوقهم في اختيار ومراقبة السلطة الحاكمة وممارسة نشاطاتهم الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال مؤسسات مستقلة عن سيطرة ونفوذ السلطة والدولة لن يتحقق الا في ظل النظام الديمقراطي الذي يتحكم في حركته دستور حاكم ومنظم ومقيد بقوانين ولوائح تحد من الصراعات السالبة وتنظم الممارسة الديمقراطية الراشدة .

ويجب علينا ان لاننسى دور المجتمع المدني وقيمته ومكانته في تحقيق الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان وترسيخ قواعد الحوار والتعددية واحترام الرأي والرأي الاخر وعلي هذا تقوم ثقافة المجتمع المتجانس والذي يحقق التراضي بين جميع مكوناته .

ان العلاقة بين متطلبات تكوين المجتمع المدني والديمقراطية تتطلب ترسيخ القيم الديمقراطية حتى تصبح جزءاً فعالاً في ثقافة المجتمع وتدفعه لبناء مجتمع مدني يواكب مستلزمات العصر في الانفتاح والتطور.

فالديمقراطية هي منهج يحقق كفالة ممارسة الانسان لحقوقه وحرياته في الرأي والتفكير وفي عقيدته السياسية وبرامجه المختلفة وضميره وعلاقاته وسلوكه ومدى ايمان النظام السياسي (الاحزاب الحاكمة والمعارضة ) .

بحق المجتمع بحقوقه المختلفة وحرياته في ظل دولة مدنية تقوم على اساس التعددية السياسية والفكرية وحرية اقامةالتنظيمات والمؤسسات السياسية وغير السياسية واحترام تداول السلطة بصورة سلمية علي ان السلوك الديمقراطي شرط اساسي في تكوين التنظيمات السياسية وفق الدستور والقانون المنظم لنشاطها.

من هنا فالديمقراطية تدعم مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع المدني هو البيئة الطبيعية التي تنمو في احضانها الديمقراطية وموسساته الدستورية .

ان الالتزام بالممارسة الديمقراطية ودعمها في المجتمع يعتبر عاملا اساسيا في تحرير الدولة من نظام القبيلة والاسرة والحزب الواحد وتضمن عدم تفكك الدولة الي عواملها الاولية قبلية وجهوية (الانظمة الدكتاتورية ذات المنهج والعقيدة الشمولية ).

فالدكتاتورية تؤدي الى حدوث فجوة هائلة بين سياسة السلطة الحاكمة والمجتمع وتسعي دوما لاستقطاب القبلية والجهوية والقوة العسكرية النظامية او غير النظامية في الحركات المتمردة للوصول الي السلطة وممارسة الحكم ( تمرد الدعم السريع ومشروع قحت للحكم بالتآمر مع الدعم السريع ) .

وفق نظريات مستوردة واجندة خارجية تسعي لتغيير ديمغرافية البلاد وتقسيمها الي دويلات ، اذ ان السلطة في النظم الديمقراطية بيد الشعب تتحقق عبر الانتخابات الحرة والنزيهة ودوما تلجأ الاحزاب الضعيفة والعقائدية الي القوة العسكرية واغرئها بالانقلاب علي السلطة الديمقراطية .

لأن هدف الدكتاتور الحزبية الاول والاخير هو المحافظةعلى نظام حكمها بكل الطرق والوسائل دون الاخذ بالاعتبار لمصالح المجتمع ورغباته وتطلعاته وحريته في اختيار كيف يحكم.

وتمارس العزل السياسي للمجتمع وتنظيماته الديمقراطية وتصادر حرياته المختلفة وتقف حجر عثرة امام مشاركته في الحكم والتفكير في معالجة ازماته ورعاية مصالحه والرقابة علي الاداء الحكومي في تنفيذ مهامها المختلفة وينصب الاهتمام فقط في تنفيذ اجندتها وعقيدتها في الحكم.

في حين ان المجتمع المدني هو حصيلة التفاعل بين فئات وقوى ومكونات المجتمع حيث تساهم هذه المكونات في اختيار نوعية السلطة القادرة على تحرير المجتمع من تناقضاته وتفجير طاقاته لبناء قواعد الحضارة المدنية وهذا لا يتوفر دون توفر الديمقراطية الراشدة .

وتتم ممارسة الديمقراطية من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي تعتبر جزءا من العملية الديمقراطية ، فهذه المؤسسات تعتبر من اهم قنوات المشاركة الشعبية وان اعضاء هذه المؤسسات هم اكثر قطاعات المجتمع استعداداً للانخراط في النشاط السياسي الديمقراطي المنظم والذي يحدده القانون والدستور.

ان تعثر التحول الديمقراطي في أي بلد يرجع الى غياب او توقف نمو المجتمع المدني وما يستتبعه من تعزيز القيم والمناهج الديمقراطية و ازدهار ثقافة مدنية ديمقراطية توجه سلوك المواطنين في المجتمع و تهيئتهم للمشاركة في الصراع السياسي السلمي وفق هذه القيم .

ويستوجب ذلك قنوات ذات مناهج وفكر وتنظيم هيكلي واداري ديمقراطي يمارس السياسة بمفهوم خدمة قضايا المجتمع.

وبما ان الوضع التعليمي الراهن هو ثمرة السياسات الرسمية السائدة والتي تقوم علي تفضيل الولاءات الشخصية او العائلية او القبلية او العقائدية علي الكفاءات العلمية والعملية المنظمة وفق منظور منهجي وطني يصبح لزاما ان نصحح تلك المفاهيم بتطبيق المنهج الديمقراطي في الحكم وفقا للكفاءة والالتزام والقدرة والتأهيل …

ان الدور الهام للمجتمع المدني في تعزيز التطورالديمقراطي و توفير الشروط الضرورية لتعميق الممارسة الديمقراطية وتأكيد قيمها الاساسية ينبع من طبيعة المجتمع المدني.

وما تقوم به مؤسساته من ادوار و مهام في المجتمع لتصبح بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية الراشدة كنظام للحياة و اسلوب لتيسير حركة المجتمع ، وتمارس مؤسسات المجتمع المدني في حياتها الداخلية جملة من النشاطات والممارسات الديمقراطية ومن اهم هذه الممارسات :-

1- القيام بنشاط جماعي مؤسسي منضبط بالدستور والقانون ضمن حقوق و واجبات محددة للاعضاء .
2- التعبير عن الرأي و تقبل الرأي الاخر و المشاركة في التنظيم المؤسسي و المشاركة في اتخاذ القرارات داخل هيئات المنظمات .

3- ممارسة العضو لحقوقه في التصويت و الترشيح من خلال المشاركة في الانتخابات لاختيار مسؤولي المنظمات و قبول نتائج الانتخابات سواء كانت موافقة لرأي العضو أو غير موافقة لرأيه.

4- يلعب العضو دورا في أهداف النشاط و متابعته و تقييمه و مراقبة اداء الهيئات القيادية لمنظمة المجتمع المدني سواء كانت احزاب او نقابات او غيرها .

وتقوم مؤسسات المجتمع المدني بجملة من الوظائف لا تقتصر نتائجها على العمل المباشر لهذه المؤسسات بل تمتد الى المجتمع كله فتوفر لاعضائها خبرات هامة للممارسات الديمقراطية و من هذه الوظائف:-

أولاً :- حماية المصالح الذاتية والمجتمعية :

عن طريق هذه الوظيفة يتعلم الاعضاء كيفية بحث مشاكلهم ودراسة الاوضاع القائمة في المجتمع و تحديد كيفية الحفاظ على مصالحهم في مواجه مصالح الفئات الاخرى . كما يكتسبون قدرة متزايدة على التفاوض على هذه المصالح مع الاطراف الاخرى و هذه كلها خبرات ضرورية لممارسة الديمقراطية على مستوى المجتمع كله .

ثانياً:- حل النزاعات والازمات المختلفة :

ان الناشطين في مؤسسات المجتمع المدني ينبذون العنف كأداة للتغيير وينتهجون السبل الديمقراطية في تحقيق ذلك.

فمن خلال مؤسسات المجتمع المدني يتم حل معظم النزاعات الداخلية بين أعضاءها بوسائل سلمية دون اللجوء الى الدولة و أجهزتها ، وبنجاح الاعضاء في حل منازعاتهم بالطرق السلمية وبالحوار والتراضي داخل المؤسسات المدنية فانهم بذلك يكتسبون الخبرة و الثقافة والاعتراف بالاخر و بحقوقه و مصالحه و الحوار معه والوصول الى حلول وسط من خلال التفاوض .

ثالثا:- تحسين أوضاع الأعضاء اجتماعيا واقتصاديا ومهنيا :

زيادة ثروتهم من خلال هذه المهمة تقوم مؤسسات المجتمع المدني في النقابات والاتحادات بتوفير الفرص للاعضاء لممارسة نشاط يؤدي الى زيادة دخلهم عن طريق المشروعات التي تنفذها جمعياتهم التعاونية الانتاجية (المتوافقة مع المهنة والعمل ).

و النشاط الذي تقوم به الجمعيات التعاونية الاستهلاكية لتوفير مستلزمات الحياة وتخفيف اعباء المعيشة وغيرها من المشروعات المدرة للدخل التي تقوم بها الجمعيات ، و مشروعات التدريب المهني الذي تقوم بها النقابات المهنيه و العمالية لزيادة مهارات و قدرات اعضاءها مما يمكنهم من تحسين ظروف عملهم و زيادة دخولهم .

ان تمتع المواطنين باوضاع أقتصادية جيدة و قدرتهم على تأمين مستوى دخل مناسب لاسرتهم يساعدهم على ممارسة النشاط السياسي .

و الاهتمام بالقضايا العامة للمجتمع و على العكس فان سوء الاحوال الاقتصادية يشغل الناس في البحث عن لقمة العيش و بالتالي عدم توفر الوقت الكافي لهم للمشاركة السياسية الامرالذي يعطل التطور الديمقراطي للمجتمع .

رابعاً:- أعداد القيادات الجديدة :

لكي يواصل المجتمع تقدمه فهو بحاجة دائمة لاعداد قيادات جديدة مؤهلة ومدربة من الاجيال المتتالية حيث يتطور المجتمع و تنضج حركته بقدر ما يتوفر فيه من قيادات مؤهله للسير الى الامام باستمرار.

والقائد هو ذلك الشخص الذي يتمتع بنفوذ حقيقي على جماعة من الناس تثق فيه و تسعى اليه كلما واجهتها مشكلة ما .

حيث تتلمس منه الحل لهذه المشكلة ، ان ثقة الجماهير في القائد لا تأتي من فراغ بل تتم عبر فترة زمنية مناسبة تختبر خلالها قدرته وانتمائه وتأهيله و قابليته على فهم مشاكلها و كيفية حلها وعلى قدرة تفاعله وانفعاله مع المجتمع و خدمته له وقربه من الجماهير فانه يكتسب شعبيته بين أفراده وثقته فيه .

ان اعداد قيادات بهذا المفهوم يبدأ داخل مؤسسات المجتمع المدني ، حيث تعتبر هذه المؤسسات مصدراً لامداد المجتمع بالقيادات الجديدة.

وقد دلت التجارب بان القيادات النشطة في مؤسسات المجتمع المدني تعتبر القاعدة الاساسية التي تخرج منها قيادات المجتمع المستقبلية ابتداء من اعضاء المجالس المحلية الى البرلمانيين في المجالس التشريعية الى قيادات الاحزاب على كل المستويات بذلك فان مؤسسات المجتمع المدني تساهم في دفع التطور الديمقراطي بالمجتمع من خلال هذه الوظيفة المهمة .

خامسا:- نشر الوعي المدني و الديمقراطي :

من الوظائف المهمة التي تؤديها مؤسسات المجتمع المدني هي نشر الوعي المدني و الديمقراطي في المجتمع .

أحترام قيم الانخراط في العمل الطوعي ، والعمل الجماعي ، وقبول الاختلاف بين الذات و الاخر ، وحل النزعات بطرق سلميةعلى اساس الاحترام و التسامح و التعاون و التنافس السلمي بالاضافة الى الالتزام بالمحاسبة والشفافية في العمل وهذه القيم في مجملها تعتبر قيم الديمقراطية الراشدة التي يقوم عليه البناء السليم لاي منظومة سياسية مجتمعية .

و هي خطوة هامة على طريق التطور الديمقراطي للمجتمع و بدون توافر هذه القيم يستحيل بناء مجتمع مدني ديمقراطي ويجنح المجتمع للفوضوية .

كما يستحيل بناء هذا المجتمع دون الاعتراف بحقوق الانسان الاساسية و بالاخص حرية الراي و التعبير والتجمع و التنظيم و بذلك فان مهمةالمجتمع المدني هي نشر الثقافة المدنية و تطوير التحول الديمقراطي .

وتتأكد هذه المهمة ايضاً في نشر هذه الثقافة من خلال الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدني حيث تدرب أعضاءها على هذه القيم ( الاحزاب ومدارس الكادر التنظيمي ) ومناهج التعليم ومادة التربية الوطنية …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى