الخير موسى يكتب… مستشفى 24 القرشي .. أطباء بلا مآوى يا وزير الصحة

يُعدّ مستشفى 24 القرشي واحدًا من أعرق وأهم المستشفيات التاريخية بولاية الجزيرة، ليس من حيث قدمه فحسب، بل من حيث الدور الحيوي الذي ظل يؤديه في خدمة إنسان محلية القرشي والمناطق المجاورة.
فقد شُيِّد هذا الصرح الصحي بصورة مميزة، وشهد آخر عملية صيانة شاملة وواسعة لكل أقسامه في عهد الدكتور إيلا – رحمه الله – قبل أن تعصف به لاحقًا جملة من الإشكاليات التي أضعفت أداءه وأثرت سلبًا على استقرار خدماته .
ورغم ما يلمسه المواطن اليوم من جهود واضحة ومحاولات جادة لإعادة الاستقرار للمستشفى وخصوصا في البنية التحتية ، إلا أن الواقع يؤكد أن الخدمة الطبية لا تزال غير مكتملة ، وهذا بسبب بعض المشكلات الجوهرية التي ما زالت تُدار بالتجاهل أو التأجيل، مع انه أمر لا يحتمل المساومة، لأن المتضرر الأول والأخير هو المواطن.
من أخطر هذه الإشكاليات، وأكثرها تأثيرًا على استقرار الخدمة الطبية، قضية سكن الأطباء. فالمعلوم بالضرورة أن أي خدمة صحية لا يمكن أن تستقر دون وجود الطبيب بالقرب من موقع تقديم الخدمة، خاصة الأطباء الأخصائيين، الذين تتطلب طبيعة عملهم الجاهزية الدائمة والاستجابة السريعة للحالات الطارئة. غير أن المؤسف في مستشفى 24 القرشي أن واقع السكن يعكس صورة مقلوبة للعدالة والمنطق.
يملك المستشفى ثمانية منازل مخصصة لسكن الأطباء والعاملين، المستخدم منها فعليًا ثلاثة فقط، بينما تسكن بقية المنازل أسرٌ من معاشيين انتهت خدماتهم منذ سنوات طويلة، ولا تربطهم أي صلة وظيفية حالية بالمستشفى أو بالخدمة العامة.
وفي المقابل، يعجز الأطباء العاملون عن إيجاد سكن، الأمر الذي يؤدي مباشرة إلى عدم استقرار الخدمة الطبية، بل وغياب بعض التخصصات الضرورية.
وهنا يبرز السؤال المشروع: كيف تستقر خدمة طبية بلا سكن لطبيب أخصائي؟ وكيف يُحرم من يقدم الخدمة للمواطن من أبسط حقوقه، بينما ينعم بها من لا يؤدي أي دور؟ وكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟
وتتفاقم هذه الأزمة مع ما تردد عن وصول دفعة كبيرة من أطباء الامتياز خلال الفترة المقبلة ، وهي خطوة إيجابية يمكن أن تُحدث نقلة حقيقية في مستوى الخدمات الصحية بالمستشفى وهي تعتبر إنجاز يحسب للإدارة الحاليه بحكم انها اول مره منذ زمن بعيد
غير أن غياب السكن سيحول دون الاستفادة من هؤلاء الأطباء، و ستضطر إدارة المستشفى مرغمة ومجبرة إلى إرجاعهم أو بعضهم، في خسارة فادحة لا يتحمل وزرها الأطباء، بل تتحملها الجهات المسؤولة عن إدارة الملف.
إن مسؤولية معالجة هذه القضية تقع بوضوح على وزارة الصحة، واللجنة الأمنية بالمحلية و التي يجب أن تتحرك فورًا ودون أي تقاعس لإخلاء منازل المستشفى وتسليمها لإدارة المستشفى ، لتُخصص حصريًا لسكن الأطباء والعاملين الصحيين. فهذه المنازل أُنشئت لخدمة المرفق الصحي، لا لتحويلها إلى سكن دائم لمن لا علاقة لهم بالخدمة العامة.
كما أن على مجتمع القرشي، بمؤسساته الرسمية والأهلية، أن يلتف حول هذا الصرح الصحي، لأن حماية المستشفى ودعمه ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل واجب مجتمعي، فاستقرار الخدمات الطبية مصلحة عامة لا تحتمل الإهمال.
إن أزمة سكن الأطباء ليست قضية إدارية عابرة، بل مسألة عدالة وضمير، واختبار حقيقي لمدى احترام الدولة لمن يخدم المواطن في أصعب الظروف. فإما أن نُنصف الطبيب ليستقر العلاج، أو نواصل سياسة الترقيع والمجاملة ، وندفع جميعًا ثمن الإهمال في صحة الإنسان وكرامته .
*نو اصل،،،،*



