إبراهيم شقلاوي يكتب في (وجه الحقيقة)… الجبهة الوطنية تنتظر القرار
السودان اليوم على حافة منعطف تاريخي يعيد إلى الذاكرة لحظات كان فيها الوطن يقف وحيدًا في وجه أطماع الخارج.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فالمشروعات الاستعمارية بأدواتها وأساليبها الحديثة تعود بثياب مختلفة، بذات الأهداف: السيطرة على الأرض والموارد، وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية بما يخدم قوى تبحث عن نفوذ على حساب دماء السودانيين .
لهذا تبدو الحاجة وجودية، لقيام جبهة وطنية سودانية عريضة، تعيد تنظيم الصف الوطني في مواجهة هذا الزحف الذي يتشكل في الإعلام، والدبلوماسية، والسياسة، وتكتيكات الحروب بالوكالة. إنها لحظة تستوجب الصعود فوق الأيديولوجيا والولاءات الحزبية الضيقة، وتوحيد الانتماء تحت راية الوطن ، كما فعل الأجداد يوم وقفوا سداً منيعآ أمام المستعمر .
ورغم التفاف الشعب حول الجيش، فإن حجم التحدي الذي يواجه السودان أوسع بكثير من أن تتحمله مؤسسة واحدة. فالمطلوب اليوم اصطفاف مدني وعسكري وسياسي ودبلوماسي وإعلامي، ينسج منظومة صلبة تمنع تفتيت الدولة وتُعيد تنظيم القوة السودانية في اتجاه واحد: حماية البلاد وأمنها.
غير أن ما يرفع منسوب القلق ليس الداخل وحده، بل أيضًا ما كشفته تقارير الأمم المتحدة عن طبيعة الحرب. فمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك اعتبر السودان “عالقًا في حرب بالوكالة تُخاض للسيطرة على موارده الطبيعية”، محذرًا من الفظائع المرتكبة في الفاشر، من إعدامات جماعية واغتصاب وخطف واستهداف للمرافق الطبية.
وأكد أن المجتمع الدولي “يتظاهر بالاهتمام لكنه قليل الفعل”، بينما تمضي الانتهاكات بلا رادع. وفي غرب كردفان يتكرر المشهد ذاته، حيث تتعرض مناطق للقصف والحصار الممنهج والتهجير القسري كما حدث مؤخرا في مدينة بابنوسة، ما جعلها ساحة حرب تُرسم حدودها بالدماء.
في هذا السياق، تصبح الجبهة الوطنية ضرورة وجودية، إذ يجب أن تشمل الإدارات الأهلية وأساتذة الجامعات والعلماء، والأطباء والمحامين، والنقابات المهنية والفئوية، والقيادات السياسية والناشطين والمنظمات والعمال والمزارعين والحرفيين، الطلاب وقطاعات المرأة، لتصبح بمثابة شريان الحياة السياسي والاجتماعي، يعكس قوة السودان بكامل طبقاته وأجياله وآماله، ويحول أي مشروع خارجي إلى صخرة لا يمكن اختراقها.
إن الجبهة الوطنية، إن قامت، لن تكون مجرد إطار تنظيمي، بل حالة وطنية جامعة، تعيد للسودان ثقته بنفسه وتعيد للأجيال القادمة الأمل في دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات. إنها لحظة تاريخية، تتطلب قرارًا شجاعًا، يُعيد تشكيل مصير البلاد قبل أن يفرض الخارج شروطه على شعبنا وبلادنا.
وعلى المستوى الداخلي، يُتوقع أن تُحدث هذه الجبهة تحولًا نوعيًا، إذ ستعيد تنظيم الصف الوطني، وتوحد الخطاب العام، وتمنح ثقة جديدة لمؤسسات الدولة في مواجهة الضغوط المتعددة. وستخلق إطارًا سياسيًا يُعلي منهج التنسيق بين المدني والعسكري، ويعيد الانضباط للمجال الإعلامي، ويقفل الأبواب أمام التلاعب الخارجي بالوعي والرأي العام.
أما إقليميًا، فإن بروز جبهة وطنية موحدة سيعيد تموضع السودان في محيطه، ويوقف شهية القوى التي تراهن على انقسام الداخل. فالدول مهما كانت مصالحها تتعامل باحترام أكبر مع الدول التي تُظهر وحدة قرار وقوة مؤسسات. والجبهة، إذا ما تأسست على رؤية واضحة، ستعيد إلى السودان وزنه في معادلات البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وتُشكّل حاجزًا أمام الأطماع التي تستهدف موارده وممراته الحيوية.
وعلى المستوى الدولي، ستجبر هذه الجبهة الأطراف الطامعة على إعادة حساباتها. فالسودان الموحّد ليس ساحة مفتوحة للحروب بالوكالة، بل طرف قادر على فرض شروطه في الملفات المتعلقة بالسلام، والإغاثة، والموانئ، والموارد الطبيعية. كما ستقلّص من تأثير الدعاية الموجهة، وتمنح الدبلوماسية السودانية منصة أقوى للتفاوض، والدفاع عن الحقوق، واستعادة المبادرة بدل البقاء في موقع رد الفعل.
وهكذا، بحسب #وجه_الحقيقة لا تبدو الجبهة الوطنية خيارًا سياسيًا، بل ضرورة تاريخية تستعيد بها البلاد إرث أجيال قاومت في الماضي كي لا نُهزم في الحاضر. إنها دعوة لأن يقف السودان مرة أخرى صفًا واحدًا، في وجه استعمار جديد إن هذه الجبهة تنتظر القرار من قيادة البلاد اليوم قبل الغد، إن قامت لن تكون مجرد عنوان سياسي، بل ستصبح حالة وطنية تُغيّر شكل المعادلة وتستعيد روح الدولة. إنها خطوة لا تنقذ حاضر السودان فحسب، بل تؤسس لغدٍ يليق بتاريخه، وتُرسل رسالة إلى العالم مفادها: أن السودانيين حين يتوحدون ، لن يستطيع أحد هزيمتهم او ابتزازهم .
دمتم بخير وعافية.
الاثنين 8 ديسمبر 2025م Shglawi55@gmail.com



