تحليل: إذا لم نحتاط سنقع في دوامة التفجيرات
الظهيرة – عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو:
*1/* المشهد السياسي العبثي لممارسات قوى الحرية والتغيير بمسمياتها الجديدة “صمود” و”قمم” في السودان، بالإضافة إلى أسباب واهداف تمرد مليشيا الدعم السريع والذي هو جزء من الصراع الدائر بين الأحزاب السياسية ومؤسسة الدولة، وبين الأحزاب فيما بينها، وتأثير التدخلات الخارجية.
والإهتمام والنشاط المتزايد والمحموم للمخابرات الأجنبية، وحالة الإستقطاب الحادة والإصطفاف المناطقي والجهوي والإثني، والخروقات الأمنية التي تتعمدها جهات خارجة عن القانون تسعى إلى زعزعة أمن السودان واستقراره، ومخاطر إنتشار الكم الهائل من السلاح خارج سيطرة الدولة التي تعج ببعض الحركات المسلحة ذات الطابع الإجرامي العنصري وبعضها ذات أجندة خطيرة، ووسط عدم الاستقرار الأمني والفوضى السياسية التي تشهدها البلاد في ظل عدم تشكيل الحكومة بعد مرور أكثر من عامين منذ إندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م، ونجاح الجيش السوداني وتلاحم الشعب معه في التصدي لهذه الحرب.
وتحقيق انتصارات متتالية دفعت بالمليشيا إلى الفرار من العاصمة ووسط السودان والإنكفاء مهزومة إلى بعض المناطق في كردفان ودارفور، بطريقة تُبين حالة الضعف واليأس التي أصابت المليشيا، كل هذه العوامل تعتبر جرس إنذار يدق وينبه من إحتمالية لجوء بعض الجهات التي ترعى وتساند المليشيا إلى استخدام ما يُعرف بسلاح الضعفاء وهو “التفجيرات المفخخة” والعبوات الناسفة، أو السعي إلى اغتيال بعض الشخصيات السياسية والعسكرية، والنشطاء والصحفيين، أو القيام بهجمات مدبرة بالمسيرات قد
تعرض أرواح المواطنين للخطر، وتستهدف محطات الطاقة والمياه، فليس بالمستبعد أن تحاول بعض الجهات والكيانات والأحزاب السياسية الخاسرة المرتبطة بالخارج وبالمليشيا وبحركتي الحلو وعبدالواحد، أو عملاء المخابرات أجنبية، إرباك الملف الأمني والعسكري وذلك من أجل الضغط على
الحكومة أو الحصول على مكاسب سياسية تتمثل في قبول الحكومة للتفاوض والوقف الفوري لإطلاق النار الذي يصب في صالح بعض الأطراف والدول، ويتيح للإمارات الإفلات من المساءلة والعقاب، خاصة وأن الأجواء ستكون مواتية في حالة اندلاع فوضى التفجيرات لرفع حالة الإحتقان السياسي إلى أعلى معدلاته، مع وجود فتيل الإشعال الذي يتمثل في السخط الشعبي المتزايد بسبب الأوضاع المعيشية والضائقة الإقتصادية، لا سيما إذا انهارت آخر ترتيبات
الحلول الجارية الآن نحو التوافق عبر التفاوض بين الأطراف المختلفة لتكوين الحكومة أو اختيار رئيس الوزراء للخروج من دائرة الخطر التي ستجلب الفوضى الخلاقة.
*2/* لقد أثبتت الوقائع التاريخية لمن يتتبع حوادث التفجيرات العشوائية أن السيارة المفخخة لم تعد سلاح الضعيف فقط كما كان يُقال سابقاً، فقد أصبحت السلاح الذي تعتمده أجهزة المخابرات التابعة لدول لا تشكو من قلة في السلاح، ولكن حين تعجز هذه الدول عن استخدام السلاح الحربي وتفشل في إمداد الطرف الذي ترعاه في أي صراع، كما هو حاصل الان بالنسبة لنجاح السودان في محاولاته للحد من حجم تدفق وقطع امداد الإمارات للمليشيا بالسلاح لأسباب عسكرية وسياسية نجح السودان في القيام بها، أو حيث يعجز السلاح الذي تم إمداد المليشيا به طوال فترة الحرب عن تحقيق الأهداف العسكرية والسياسية المنشودة وتحاول جر البلاد إلى مضمار حرب جديدة تشنها قوى حزبية مرتبطة بالخارج تنفذ تفجيرات على خلفيات سياسية لجر البلاد إلى حرب فوضوية، ولذلك قد يتم اللجوء إلى استخدام اسلوب السيارات المفخخة لإثارة الذعر والهلع وتعطيل الحياة العامة، وتمويه الفاعل حتى تحقق هذه الهجمات الهدف المنشود وهو إشعار المواطنين بالإحباط وتغذية نزعات الانقسام القبلي والجهوي وشل الحياة المدنية في البلاد، وإعادة إنتاج الحرب الأهلية التي تسعى إليها بعض الجهات بالرغم من أن السودانيون قد تجاوزونها بتضحياتهم ووعيهم وتلاحمهم ووقوفهم خلف قواتهم المسلحة، ومن المؤكد أن المليشيا المنهارة وبحسب ما بدر منها من انتهاكات وجرائم وأعمال إبادة لن تتورع عن استخدام سلاح السيارات المفخخة كرد فعل انتقامي ضد الشعب على الهزائم الكبيرة التي لحقت بها، والتي قد تجد في السيارات المفخخة، بجانب أستخدام المسيرات واستهداف محطات الكهرباء والمياه ميدان جديد لإثبات وجودها والتغطية على هزائمها المتلاحقة، وارسال رسالة بعجز الأجهزة الأمنية وعدم قدرتها على حماية المواطنين.
*3/* دائماُ ما تعتمد بعض الجهات سلاح السيارة المفخخة في الصراعات الدامية لتحقيق بعض أهدافها، ولقد لجأ إلى هذا السلاح الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الأربعينيات من القرن الماضي، والفيتناميون ضد الأميركان، والايرلنديون ضد الإنجليز، والأفغان ضد السوفييت سابقاً، ولجأ إليه اللبنانيون ضد الإسرائيليين (في الجنوب اللبناني المحتل)، والسوريون إبان فوضى ثورتهم ضد بشار الأسد، والعراقيون ضد قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية، ثم تحولوا إلى أستخدامه ضد بعضهم بعضاً، حتى أنه كان لا تكاد تغيب شمس نهار دون أن تدوي في بغداد وفي العديد من المدن العراقية الأخرى سيارة أو عدة سيارات مفخخة تحصد العشرات من الضحايا الأبرياء، كما تم استخدام هذا النمط من التفجيرات في مصر حيث تم استخدامها فى أغلب العمليات الإرهابية والانتحارية بسيناء والعريش والدقهلية، ووصلت إلى قلب العاصمة القاهرة بتفجير مديرية أمن القاهرة، واغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، واستهداف موكب وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم.
*4/* إن استخدام سلاح التفجيرات يحقق للمهاجم ميزة اختيار التوقيت والمكان، بالإضافة إلى وجود عنصر المفاجأة مما يربك حسابات رجال الأمن، ولذلك يجب على المدافع انتهاج واستنباط الحلول الأمنية الناجعة لمواجهتها، من خلال الإنتشار الأمني والتحريات والمعلومات المسبقة والتنسيق وتبادل المعلومات السريع بين الأجهزة الأمنية والتي هى أفضل الوسائل والطرق لإجهاض العمليات قبل تنفيذها، بالإضافة إلى ضرورة استخدام العمل التقليدي بكلاب المفرقعات، وأجهزة الكشف عن المفرقعات عن بعد لاستشعار قدوم السيارات المفخخة ومحاولة إحباط العمليات الإرهابية، بزيادة عدد أكمنة الشرطة فى الطرق المفتوحة، لأن الفاعل يحاول الوصول لهدفه بأقصر الطرق لسير السيارة، لتجنب مروره على كمائن أو تمركزات أمنية، ومن وسائل المواجهة ضرورة الاعتماد على التقنيات الحديثة على مستوى عالى، بشراء أجهزة كشف المتفجرات عن بُعد، والتى تتمكن من كشف السيارة المفخخة قبل وصولها بحوالى 500 أو 300 متر تقريبا لتلافى النتائج التخريبية في الموقع المحدد أو إجهاض العمللية فمعظم التفجيرات تتم من خلال استخدام أجهزة اللاسلكى أو التليفون المحمول، ولذلك فإن الحل يعتمد على ضرورة شراء سيارات تشويش لعدم توصيل الدائرة الإلكترونية، بمعنى إحباط وإجهاض العمليات الإرهابية التى تتم عن طريق اللاسلكى أو المحمول، وكذلك فإنه لا بد من السيطرة الأمنية على الإرتكازات والمعابر والمنافذ التى يتم من خلالها تهريب المواد المتفجرة، فلابد من السيطرة الأمنية الكاملة، من خلال تشديد الرقابة.
*5/* على السودانيين أن يلتمسوا الحل بأنفسهم في قبول التفاهم وتكوين الحكومة وابراز القبضة الحديدية عبر سن قوانين وتشريعات تواكب مستجدات معركة الكرامة، والتشديد على المتعاونين مع المليشيا والطابور الخامس والمندسين في مفاصل وعصب الدولة، وضرورة الإستفادة من وجود معسكرات مستنفري المقاومة الشعبية بالأحياء والحارات وشوارعها لتأمينها، وبغير ذلك فسوف تستمر الفوضى وتتدخل الوكالات الأممية والمنظمات الإقليمية إذا فشلت الأطراف السودانية في التوصل إلى الحل المناسب الذي يرضي الجميع عبر التفاهمات السياسية الداخلية، فنتائج الفشل ستقود إلى الإختلاف ودخول البلاد في نفق الفوضى والحرب الأهلية التي ستعرض الأمن والسلم الدوليين إلى الخطر لوقوع السودان في منطقة القرن الأفريقي التي يريدها العالم الغربي أن تكون محمية من المخاطر ومسرحاً لخطة عالمية مرتبطة بأمن البحر الأحمر واسرائيل، ففي حال إنفلات الأمور سيقع السودان تحت طائلة الفصل السابع الذي يتعلق باستخدام القوة في حالات تهديد السلم والأمن الدوليين وبالتالي فرض الوصاية وضياع الوطن وإنقسامه.
*6/* لابد من الإهتمام بالعمل الأمني وأن يسير جنباً إلى جنب مع خطوات الحل السياسي وجولات البحث عن توافق، والإنتباه إلى الأهمية المستمرة للجهود المبذولة لتعزيز تدابير الأمن، ووضع الخطط للقوات الأمنية التي يتم من خلالها فرض إجراءات إحترازية ومنعية ومراقبة مشددة ومستدامة في شوارع العاصمة وذلك لمنع حدوث الخروقات الأمنية، مع التشديد على إجراءات التدقيق على حركة سير المركبات والدراجات النارية التي لا تحمل أرقام أو وثائق تسجيل رسمية، ونشر المصادر وتركيب كاميرات المراقبة في الشوارع ومواقف المواصلات والأماكن المحتملة التي يكون فيها اكتظاظ المواطنين وأيضاً الدوائر الحكومية والمحال التجارية الكبرى، والعمل الجاد على حصر السلاح بيد الدولة وضبط تحركات كل الميليشيات التي تسيء استعمال السلاح بحجة انها “قوات ساندة” أو أي ذريعة أخرى، مع ضرورة احتواء الحركات التي لم توقع على اتفاق جوبا وبعضها لا زال متواجد داخل وخارج السودان بدول النيجر وليبيا وتشاد وجنوب السودان وأثيوبيا.
*7/* يجب تعزيز التواجد العسكري وتأمين العاصمة شرقاً وغرباً وجنوباً للتصدي للهجمات العابرة للحدود، فضمان الأمن والإدارة الفعالين للحدود أمرٌ لا بد منه لمنع والتصدي لأي عمليات قد تأتي من الخارج عبر الحدود البرية والجوية والبحرية المفتوحة.
كما أن أمن الحدود وإدارتها ضروريان أيضاً لكبح النقل غير المشروع عبر الحدود للأسلحة والذخيرة والمتفجرات والمواد الخطرة التي يمكن استخدامها لأغراض إرهابية متعددة بواسطة جهات معادية، خاصة وأن الوطن يمر بمنعطف يهدد وحدته وسلامة أراضيه وانسانه وتفكك بنيانه.