مقالات الظهيرة

ياسر أبو ريدة يكتب…. نتيجة الأساس بالجزيرة.. حين يصبح المستقبل معلقًا على مكتبٍ صامت

تبدو أزمة نتيجة شهادة الأساس بولاية الجزيرة هذا العام وكأنها المشهد الأكثر فجاجة في سلسلة الإهمال الإداري الذي يطال مفاصل حكومه الجزيره ما يحدث ليس مجرد تأخير عابر ولا خلل فني يمكن تجاوزه، بل هو تعطيل كامل لحق أصيل من حقوق الطلاب، وتلاعب صريح بزمن تعليمي لا يعوَّض. يبدأ العام الدراسي والطلاب يقفون على عتبة مرحلة جديدة بلا شهادات، بلا تصنيف، بلا وضوح، وكأن مستقبلهم مجرد ورقة منسية على مكتب مسؤول التعليم بالجزيره مشغول عن أهم واجباته

تخيّل طالبًا يبدأ أسبوعه الثالث بلا أن يعرف إن كان سيجلس في فصل الأساس أم ينتقل إلى المتوسطة. تخيّل أسرة تتهيأ عامًا كاملًا ثم تتوقف عند باب مدرسة لا تعرف هل تستقبل ابنها أم تطلب منه الانتظار أسبوعًا آخر أو شهرًا آخر. تخيّل منظومة تعليمية معلّقة في الهواء، لا تعرف إلى أين تتجه ولا كيف تخطط، بينما المدارس الخاصة انطلقت بكل ثقة، وتركت البقية في ارتباك لا يشبه إلا ارتباك الجهات الرسمية نفسها.

الطالب اليوم ضحية صامتة، يعيش في مساحة رمادية لا يجد فيها إجابة لسؤال بسيط: ماذا أفعل غدًا؟ أي مرحلة أنا؟ هل أبدأ عامي الدراسي أم أنتظر؟

هذه الأسئلة التي لا يجب أن يطرحها طالب أساس في بلد يحترم التعليم، أصبحت واقعًا يوميًا في الجزيرة، والسبب هو تأخير بلا مبرر، وصمت بلا تفسير، وإدارة لا تكلف نفسها عناء تقديم بيان يرفع الحيرة عن آلاف الأسر. والأسر التي كانت تبدأ الموسم باستعداد وفرح وتخطيط، أصبحت اليوم في حالة قلق مستمر، تحاول تهدئة أطفالها، وتؤجل تجهيزاتهم، وتنتظر “قرارًا” لا يأتي.

المدارس نفسها تتخبط: جداول غير مكتملة، خطط غير واضحة، وأبواب مفتوحة بلا يقين إن كان القادم طالبًا جديدًا أم زائرًا مؤقتًا.

المؤلم أن المسؤولين يكتفون بالصمت. صمت يشبه الاعتراف بالعجز، أو ما هو أسوأ: عدم الاكتراث. وكأن الإعلان عن نتيجة أساس مهمة ثانوية يمكن انتظارها بلا أثر.

لكن الحقيقة أن التعليم ليس رفاهية، والزمن الأكاديمي ليس قابلاً للإهدار، وكل أسبوع يضيع يعني فاقدًا لن يُعوَّض مهما قيل في البيانات اللاحقة. إن هذا التراخي لا يضرب الطلاب وحدهم، بل يضرب ثقة المجتمع في المؤسسات نفسها، ويخلق شرخًا في العلاقة بين المواطن والجهة المسؤولة عن مستقبل أبنائه.

فالمؤسسات التي تعجز عن إعلان نتيجة، كيف يمكن الوثوق بها في إدارة عام دراسي كامل؟ وكيف نطمئن أن التخطيط والمناهج والامتحانات القادمة ستدار بما يليق؟

الأسئلة التي يطرحها الناس اليوم مشروعة وقاسية: أين الخلل؟ من يتحمل المسؤولية؟ ما سبب التأخير؟ ما مصير الطلاب؟ ولماذا يغيب الصوت الرسمي تمامًا في الوقت الذي يجب أن يكون حاضرًا بكل وضوح؟

هذه الأسئلة لا تبحث عن إجابات تجميلية، بل عن شفافية حقيقية ومصارحة جادة. فالأزمة لم تعد أزمة نتيجة فقط، بل أزمة إدارة وزمن واحترام للمجتمع.

وما يجب قوله بوضوح: التعليم لا يُدار بالمزاج، ولا بالتأجيل، ولا بالصمت.

التعليم يحتاج إلى مؤسسية، وإلى دقة، وإلى إحساس بأن الطالب هو مركز العملية وليس ضحيتها. وما يحدث الآن في الجزيرة اختبار حقيقي لمدى احترام الجهات المختصة لهذا المبدأ.

إن إعلان النتيجة لم يعد مطلبًا أكاديميًا، بل استحقاقًا إنسانيًا ونفسيًا ومعنويًا للطلاب الذين فقدوا الحماس قبل أن يبدأ العام، وللأسر التي فقدت الثقة قبل أن تُفتح المدارس.

ختامًا، الرسالة واضحة: أعيدوا الانضباط إلى المنظومة، أعيدوا الشفافية إلى المؤسسات، وأعيدوا للطلاب حقهم الطبيعي في بداية دراسية طبيعية.

ما يضيع اليوم من زمن لن يعود غدًا، وما يُهدر من ثقة لن يُرمم بسهولة.

وعلى الجهات المسؤولة أن تتحرك الآن احترامًا لجيل كامل ينتظر منكم قرارًا واحدًا: أن تكونوا على قدر المسؤولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى