لـواء رُكن ( م ) د. يـونس محمود محمد يكتب… موسى هلال واليوم الأسود
موسى هلال زعيم قبيلة الرزيقات المحاميد ورئيس ما يسمّى بمجلس الصحوة، مركز الرجل في بادية مستريحة التي تقعُ غربي كبكابية بمسافة ٣٥ كلم حيثُ استعصم هُناك في شبه عزلة عمّا يجري في السودان عمومًا وتحت ارجله في دارفور خصوصًا، بل وأقرب من ذلك في الفاشر التي تقعُ على بُعد أقل من مئتي كلم عن مرقده.
وقد أعلن الرجل بعيد اندلاع الحرب موقفه المؤيّد للقوّات المسلّحة غير أنّه تأييد نظريّ محايد وقّعه في معادلات الصراع انّه كفَّ شرّه عن الالتحاق بمليشيا الدعم السريع برغم الدعوة والاغراءات التي بذلها له البعاتي لينسى ما كان بينهما من خصوماتٍ القت بموسى هلال وولديه أكثر من ثلاث سنوات في السجن ليخلو وجه الحكومة لحميدتي دون منافسٍ في قيادة الدعم السريع أوانئذٍ وموسى هلال كان هو المرشّح للقيادة فقط صادف انّه كان ناقمًا على الحكومة وذهب معتكفًا في مستريحة، وتمَّ الاتصال به ودعوته لأمرٍ هام، غير انّه لم يستجب، فتمَّ تعيين حميدتي قائدًا للقوّة وبعدها حضر موسى هلال للقصر والقيادة يسأل أمر تولّي القيادة لمّا أحسّ بالخطر وأنَّ غريمه قد فاز، فقِيل له قُضيّ الأمر الذي فيه تستفتيان، فعاد منطويًا على مقدارٍ كبيرٍ من الحزن والأسف.
والرجل يُحمد له موقفه ( *النظريّ* ) المُعلن في تأييده الحكومة، ومباركته موقف الجيش، ولكنّه وقف في هذه المحطّة، لم يصرف ( *الشيك* ) برغم كفاية الرصيد، فمئات العربات المترسة بالسلاح وآلاف الانصار حوله والحاح مسرح العمليات، والحاجات الانسانية التي لا تقبل التأجيل، حيثُ يقتلُ الجنجويد الناس، والصراخ والاستغاثات تبلغُ آذان موسى هلال حتى من خلال الكدمول، الّا انّه يتسلّى عنها وينشغلُ بما هو أدنى، فالحدود من حول مستريحة شمالًا من ليبيا، وغربًا من تشاد يتدفّقُ منها الدعم والسلاح والمرتزقة الاجانب، يمرّون بالقُربِ منه ورُبّما القوا ( *التحية* ) وهم يحملونَ أوزار الدهر، وينطوون على المكر، ويتعمّدون هتك ستر الحرائر، وطمر البيوت، وحرق الحقول، وسبي النساء، ونهب الاموال، وبالضرورة إنَّ موسى هلال قد سمعَ أو نما الى علمه بالأحداث التي تكلّم عنها العالم كلّه.
فكيف طاوعته نفسه الامتناع عن اجابة المستصرخين الضُعفاء؟
لم يجبهم، ولم يمُدّ لهُم يد العون برغم قُدرته على ذلك، فامتنع عن ايّ عملٍ يُمكن أن يحقّق موقفه الداعم للحكومة، أو يبرئ ذمّته ومرؤته في حماية هؤلاء البؤساء الذين وقعوا تحت سطوة المجرمين القتلة، حيثُ كان منطق الأشياء أن يؤكّد موسى هلال موقفه النظريّ المُعلن بالتزامه الوطني، أن يعضده بعملٍ واحد يؤكّد أنَّ موسى هلال قام بعملٍ وطنيّ حَمى فيه أهل الفاشر أو ايٍّ من المُدن والمواقع التي اجتاحها مغول العصر، أو حرس الحدود السودانية مما يليه، حرسها من غوائل الاغراب المتسلّلين ومن أرتال السلاح العابر لقتل أهله في الجوار ؟؟
الأمر الذي يجعل الناس يتساءلون عن حقيقة موسى هلال ؟
وعن جدوى تسليحه وحشوده، بينما الجنجويد يحرقون الأرض من تحت أرجله، حيثُ هو الآن قد أصبح تحت طائلتهم، وفي اقليم يحكمون السيطرة عليه، ويلزمه الخضوع لامرهم أو قتالهم في ظروفٍ غير متكافئة بالنسبة له؛ لأنَّه لو سبق بالحُسنى وتعاون مع الجيش والمُشتركة وقام بمهمة مراقبة الحدود واسناد الجهد العسكري لكان الوضع العام ووضعه الخاص، لكان مختلفًا جدًا.
فالسلاح والقوّة التي تدخّر لليوم ( *الاسود* ) قد غفل عنها موسى هلال رُبّما لأسبابه الخاصّة والخفيّة، غير أنَّه أضاع فرصةَ أن يكون ضمن قوائم الشرف الوطني في حرب الكرامة،
فليس من يومٍ مرَّ على السودان أشدّ سوادًا من يوم الفاشر التي تقع قريبًا من مضجع موسى هلال، وهو بالضرورة يسمع أصداء العويل والصراخ والأنّات والنزع القاسي، ويشمُّ روائح الدخّان والجلود المشويّة على نار الاخدود والطغيان.
كان يمكنه النصرة ليرفع من رقاب الاسرى والضعفاء، ويصدُّ بعض ذئاب حميدتي أن تبقر بطون الحوامل وهي ضاحكة هازئة بالضحايا، لكنّه أصم أذنيه في تلك الليالي الحالكة، واستغشى ثيابه، واثاقل للأرض عجزًا، وآثر السلامة، وأعرض عن ملاقاة عدوٍ صائل يقفُ اليوم في وجهه شبابٌ هُم في عمر أحفاد موسى هلال بسلاحهم الشخصي.
فما الذي كسبه موسى هلال من موقفه هذا الذي سيذكره تاريخ الصراع، وتوثيق معركة الفاشر بأنَّ موسى هلال وقف ذات موقف قوات الامم المتحدة في مدينة ( *سيربرنيتسا* ) عام ١٩٩٥م يوم استباحها الصرب، لم ينصروا أهلها ولم يحموهم، فأصبحت عارًا عالميًا لهُم، ووصمة أبدية وسقوطًا أخلاقيًا افضى ببعضهم للانتحار كفارةً للذنب وتأنيب الضمير.
فهل يا ترى يعيشُ زعيم المحاميد ذات الشعور بالتقصير والذنب، أم أنَّ موقفه قابلٌ للتأويل والتفسير بأكثر من زاوية.
ما يزالُ الناس يذكرون غضبة المعتصم واجابته المرأة في حصن عمورية فانتصر لها، وحرّرها، واحرق الحصن حتى قال الشاعر ابو تمّام :
حتى كأن جلابيب الضحى رغبت ،،،،،،،،، عن لونها وكأن الشمس لم تغب
فالشمس طالعة من ذا وقد افلت ،،،،،،،،، والشمس واجبة من ذا ولم تجب
بمعنى صار ليله نهارًا.
*فوتَّ الفرصة يا زعيم المحاميد*
*كُنتَ حتبقى زعيم السودانيين*
لم تُشرق في يومنا الأسود مع قُدرتك على الاشراق.
*خسارة والله.*
*الله غالب.*



