ياسر الفادني يكتب… 5 مايو … يوم يُخْتَبر فيه ضمير القانون الدولي
في الخامس من مايو، تتجه الأنظار إلى لاهاي، حيث ستقف العدالة الدولية على مفترق طرق أمام طلب سوداني استثنائي يختبر حدود القانون الدولي وصدقية المنظومة القضائية الأممية.
السودان الذي أرهقته الحروب والخذلان، قرر أن يحمل قضيته إلى محكمة العدل الدولية ويتهم دولة الإمارات العربية المتحدة، لا كخصم سياسي، بل كفاعل في جريمة كبرى بحجم الإبادة الجماعية، هنا لا نتحدث عن خلاف دبلوماسي عابر أو نزاع حدودي تقليدي، بل عن تهمة تحمل في طياتها أكثر العبارات فتكًا في القانون الدولي: الإبادة الجماعية
القرار المنتظر بشأن التدابير المؤقتة ليس حكماً نهائياً، لكنه مؤشر بالغ الدلالة، قبول المحكمة بالنظر في مثل هذا الطلب يؤكد جدية القضية، ويمنح السودان موقفاً تفاوضياً وقانونياً غير مسبوق منذ الاستقلال.
في اللحظة التي يتلو فيها القاضي إيواساوا القرار، سيكون السودان قد دق أول إسفين في جدار الصمت الدولي تجاه ما جرى ويجري في أراضيه من تواطؤ خارجي، لا سيما من قبل دول كانت تُغلف تدخلاتها بالدعم الإنساني وغطاء مكافحة الإرهاب
سياسياً، هذا الحدث يمثل قفزة نوعية في أداء الدبلوماسية السودانية، التي لطالما وُصفت بالضعف والانكفاء، هي لحظة تمرد على ميزان القوى التقليدي في الخليج، وعلى منطق المحاور، وعلى تحالفات المال والسلاح التي ظلّت تعبث بمصائر الشعوب دون مساءلة، هذا التحرك القانوني الدولي يعيد للسودان شيئاً من هيبته في المحافل، ويمنح الحراك القانوني والسياسي السوداني أدوات ضغط كانت غائبة لعقود، ليس أقل من أنه أول ملف يُفتح رسمياً ضد الإمارات في محكمة دولية بتهم ترتقي إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية
أما من الناحية القانونية، فإن ما سيصدر يوم الخامس من مايو سيكون مرجعاً حياً لكافة فقهاء القانون الدولي في المنطقة، ودافعاً عظيماً لكل رجل قانون سوداني كان يظن أن أدوات العدالة ماتت أو هُجّرت ، هو أيضًا من دون شك محفّز لصياغة خطاب قانوني سوداني جديد لا يقوم على الدفاع بل على الهجوم، لا يعتذر عن تاريخه بل يطالب بحقوقه، لا يخجل من جراحه بل يكشفها ليُدين من صنعها
الجانب الإماراتي، من جهته، سيدخل في دوامة إرتدادية مزدوجة: إرتباك سياسي، و إنكشاف أخلاقي، ليس من السهل على دولة إعتمدت في العقد الأخير على بناء صورة دولية ناعمة عبر الاستثمار في المستقبل والتسامح والقوة الناعمة أن تُتهم فجأة بتغذية آلة قتل وخراب في بلد عربي شقيق، الضرر النفسي والدبلوماسي سيكون هائلاً، حتى وإن لم يُدينها الحكم النهائي، إذ يكفي أن تُدرج في هذا السياق حتى تتغير نظرة العالم لمشروعها، الدول لا تُحاسب فقط في أوراق المحاكم، بل في أعين الشعوب وصالونات السياسة ودوائر الاستثمار
هذه لحظة مفصلية، لن تطيح بدولة، لكنها قد تعيد صياغة المشهد الإقليمي بأكمله، في الخامس من مايو، سيكون القانون الدولي في مواجهة الحقيقة العربية: إما أن ينحاز للعدالة، أو يعلن إفلاسه أمام الضحايا، أما السودان، فمهما كان القرار، فقد كتب بندًا جديدًا في تاريخه: هذا بلد لا يُدفن حيًّا، ولا يُباع بصمت، ولا يُنسى من ذاكرة المرافعات.