ياسر الفادني يكتب….. لاهاي …ماذا تحت التِبْن ؟
في ساحة لاهاي، وبين جدران محكمة العدل الدولية، وقف صوت السودان مدعّماً بالحجة، شاهراً أدلته في وجه دويلة صنعت الموت وأشعلت الحرائق، لم يكن مشهداً عادياً.
بل كان بثًّا حياً لإنتصار الدبلوماسية السودانية، وامتحاناً اجتازه رجال القانون السودانيون بجدارة واستحقاق ما جرى ليس مجرد جلسة استماع، بل لحظة فاصلة في مسار قضية عادلة، ولحظة سقوط أخلاقي مدوٍّ لمن ساند الخراب
السرد القانوني الذي قُدم ضد الإمارات لم يكن مجرد اتهام، بل كان خريطة دم، ممهورة بتقرير لجنة خبراء مجلس الأمن، وموثقة بالشهادات، مدعومة بالوثائق، ومحروسة بنبض الحقيقة، حتى رئيس المحكمة الياباني، وإن لم ينطق بدعم صريح، كانت ملامح وجهه كافية لقراءة موقفه، لمن يعرف كيف تتحدث الملامح حين تصمت الكلمات
المتابعة العالمية الحية، والتعاطف الكبير من شعوب الأرض مع القضية، لا يُترجم فقط كدعم إنساني، بل هو إعلان واضح أن من يقف مع السودان يقف مع العدالة، ومع المبدأ، ومع الحق في وجه القتل والمليشيات والإرهاب المدعوم من فوق الطاولة وتحتها
وفي يومين فقط، تلقت المليشيا ثلاث صفعات موجعة، لا تخطئها عين، الأولى كانت هلاك نوعي لقياداتها و جماعي في زمزم وأم كدادة، لتتبعها الثانية بتقرير صارخ من منظمة العفو الدولية كشف حجم الرعب الذي زرعته تلك المليشيا، والاغتصاب المنهجي الذي مارسته كأداة حرب، وهي منظمة لا تتحدث اعتباطاً، بل بوثائق دامغة، وصرامة قانونية. أما الصفعة الثالثة، فكانت هذه الجلسة العلنية التي فضحت الممول وعرّت الداعم، وكسرت وهم الدولة التي تحسب أن المال يشتري الصمت
الإمارات، التي حاولت تأجيل الجلسة، أو إفشالها، فشلت. والسبب واضح: الحقيقة حين تستيقظ، لا تنام ثانية والآن يظهر خلاف جديد بين دقلو وأسياده، إذ بدأت دويلة الشر تتنصل من دفع تعويضات الهلكي، والفاتورة باهظة، ودقلو بين مرارة الفقد وخيانة الحليف، يترنح في مشهده الأخير كذئب أعياه الجوع وكسرته الخناجر
القبائل التي قاتل أبناؤها إلى جانب المليشيا بدأت بالانسحاب، أدركت أن السفينة تغرق، وأن العتاد شحّ، وأن الكذبة الكبرى تتداعى من الداخل، ودقلو لم يعد يقاتل إلا بوهمه
ومع كل هذا، تأتي تصريحات سفيرة الإمارات في الهند لتضيف نكهة الجنون على مسرح السقوط، تصريحها الأخرق، الخارج عن الدبلوماسية، بدا كصراخ من فقد السيطرة، كانت تحاول تقليد فرس أصيل، لكنها نهقت كحمار تائه لا يعرف الطريق، وبلاشك أنكر الأصوات…. صوت الحمير!
إني من منصتي انظر ….حيث أري…. أن إنتصار السودان في لاهاي ليس نهاية، بل بداية والذين ظنوا أن تحت التبن ناراً صغيرة، اكتشفوا الآن أنها حريقٌ لا يُطفأ.