مقالات الظهيرة

كيف تكون العلاقة بين الراعي والرعية؟

مقال يكتبه للظهيرة :

د.محمد عبدالله كوكو
رئيس الجبهة الوطنية لدعم القوات المسلحة بالاقليم الأوسط

نحتاج حكاما ومحكومين لمعرفة العلاقة بين الراعي والرعية وخصوصا نحن في السودان حيث أننا ما زلنا نعيش حربا كونية قضت على الأخضر واليابس ونحتاج لاعمار وبناء الدولة من جديد وهذا لا يتأتى إلا إذا عرفنا العلاقة بين الراعي والرعية

وإذا رجعنا الى خطب الإمام علي بن أبي طالب، وخاصةً الخطبة 216 في نهج البلاغة، لعرفنا ما يجب أن تكون عليه العلاقة المتبادلة بين الراعي والرعية،

فقد أكدت تلك الخطبة أن الحاكم يجب أن يحقق العدل ويُراعي حقوق الرعية، فيما يجب على الرعية طاعة الحاكم ونصحُه بالحق. فالإمام علي يضع الحقوق والواجبات في كفّتين متكافئتين، مشدداً على أن صلاح الحاكم ورضا الناس ضروريان لاستقرار الدولة وصلاح أحوالها.
اولا:
حقوق الراعي على الرعية:

الوفاء والطاعة:

يجب على الرعية أن تُطيع الحاكم وتنصحَه بالحق ولا تُظهر له العداء في حضوره أو غيابه.

النصح البنّاء:

لا يجب أن يخشى المواطن من قول الحق أو تقديم المشورة العادلة للحاكم، ولا يخشى أن يُصوّب له رأيه.

مواجهة الشدة:

ينبغي على الرعية الوقوف مع الوالي في أوقات الشدة، وعدم ترك الوالي الناصح يواجه البلاء وحده، فتركُهُ يُورث الحسرة والبلوى.
ثانيا:
حقوق الرعية على الراعي:

العدل والسواء:

يجب أن يكون الحاكم مساوياً بين جميع الرعية في الحقوق والواجبات، فلا تمييز بينهم.

رعاية الضعفاء:

يجب على الراعي الاهتمام بالطبقات الضعيفة من المجتمع كالمساكين والمحتاجين وأصحاب العاهات الذين لا يستطيعون العمل.

الاستجابة للنقد:

يجب على الوالي أن يتقبل نقد الرعية ومشورتها العادلة، وأن لا يظن نفسه فوق النقد أو فوق الخطأ، بل عليه أن يضع رضا الله ورضا الرعية مقياساً لعمله.

الاستماع والتدبر:

يجب على الوالي أن لا يصرف همّه عن أمور الرعية، بل أن يتفقّد أحوالهم ويتعاهد الضعيف منهم.
ثالثا:
أهمية العلاقة المتبادلة:

نظام اجتماعي:

هذه الحقوق المتبادلة فرضها الله لتكون نظامًا لألفتهم وعزًا لدينهم، فلا تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا يصلح الولاة إلا باستقامة الرعية.

صلاح الدولة:

عندما يتحقق التعاون بين الراعي والرعية في أداء الحقوق، ينتج عن ذلك صلاح واستقامة في جميع أمور الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وهذه هي الخطبة:
ايُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً ولَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وتَعْلِيمُكُمْ كَيْلَا تَجْهَلُوا وتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا، وأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ، والنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ والْمَغِيبِ، والإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ والطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ)[1].
فأول حق مفروض على الوالي أن يكون ناصحا للرعية كي لا يضلوا عن جادة الصواب، (إِنَّه لَيْسَ عَلَى الإِمَامِ إِلَّا مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّه، الإِبْلَاغُ فِي الْمَوْعِظَةِ، والِاجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ، والإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ، وإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وإِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا)[2]. فمن وعظ واجتهد بالنصيحة كان ممن نشر الحق وأدى ما عليه من تكاليف.
ومِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ الله عَلَى عِبَادِه، النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، والتَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ)[3].
فلا تستقيم الأمور الا بالتعاون بين الراعي والرعية فكلاهما يؤدي حقه فإذا تم ذلك لا شك في الصلاح والاستقامة في جميع الأمور، الاقتصادية، والسياسية، والعكس إذا قصر أحدهما، ستنهدم الدولة وهذا لا شك فيه، والتاريخ شاهد على ما نقول فكم من دولة سقطت بسبب الحكام الضالين.

أما الحق الثاني الذي فرضه الله على الوالي أن يسد جميع حوائجهم المعيشية بحسب القدرة وهذه من أهم الأمور لأن الفاقة تسبب فساد الرعية، فليس كل إنسان قادر على تحمل الجوع والفقر، فالبعض قد يكفر بسبب الفقر، لذا كان من اللازم اشباع الرعية وإلا لا يكون الوالي ناصحا ومؤمنا اذا تسبب في هلاك رعيته.

أما حق الوالي على الرعية الوفاء له، وعدم التكلم عليه سواء في محضره أو في مغيبه، والإجابة له وقت الشدة لأن عدم الإجابة للوالي الناصح تورث الحسرة والندامة وتسبب البلوى.
إِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ، تُورِثُ الْحَسْرَةَ وتُعْقِبُ النَّدَامَةَ، وقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِه الْحُكُومَةِ أَمْرِي، ونَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي، لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ، فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ والْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِه وضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِه، فَكُنْتُ أَنَا وإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ:
أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى               فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ)[4].
الهوامش:
[1] – نهج البلاغة، الخطبة: 34/ 79.
[2] – المصدر نفسه، الخطبة: 105 / 152.
[3] – المصدر نفسه، الخطبة: 216 / 334.
[4] – نهج البلاغة، الخطبة: 35 / 80.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى