في حوار خاص مع د. أسامة عبدالرحمن الفكي، مدير عام وزارة الصحة بالولاية الوزير المكلف : سيتم إعادة إعمار النظام الصحي في ولاية الجزيرة بعد التحرير
في حوار خاص مع د. أسامة عبدالرحمن الفكي، مدير عام وزارة الصحة بالولاية الوزير المكلف : سيتم إعادة إعمار النظام الصحي في ولاية الجزيرة بعد التحرير
**دمار هائل في البنية التحتية الصحية.. المرافق خرجت من الخدمة بالكامل
**استهداف مباشر للكوادر الطبية.. استشهاد عدد كبير وهجرة الآخرين
**سرقة الأجهزة الطبية والأدوية.. تخريب شامل يعيق إعادة التشغيل
**مبادرات شعبية ودولية تنقذ القطاع الصحي من الانهيار
**التأمين الصحي والإمدادات الطبية.. ركائز أساسية في استعادة الخدمات
**الهلال الأحمر والدفاع المدني.. شركاء في معركة إعادة الإعمار
**مقدمة: الدمار الذي خلفته المليشيات.. جروح لن تندمل بسهولة
لم تكن معركة تحرير ولاية الجزيرة مجرد انتصار عسكري فحسب، بل كانت أيضاً مواجهة مع واقع مرير خلّفته مليشيات الغدر والدمار. القطاع الصحي، الذي يُفترض أن يكون ملاذاً للمرضى والجرحى، تحول إلى ساحة للخراب والتخريب. المستشفيات والمراكز الصحية التي كانت يوماً ما رمزاً للعناية والإنسانية، أصبحت أطلالاً تروي قصصاً مؤلمة عن سرقة الأجهزة الطبية، وتدمير البنية التحتية، واستهداف الكوادر الصحية التي كانت تقف في خطوط المواجهة الأولى لإنقاذ الأرواح.
الدمار الذي خلفته المليشيات لم يكن عشوائياً، بل كان مخططاً له بعناية لإضعاف إرادة الشعب وإخراج النظام الصحي من الخدمة بشكل كامل. الأجهزة الطبية الحيوية سُرقت، والأدوية نُهبت، وحتى الكوادر الطبية لم تسلم من الاستهداف المباشر، حيث استشهد عدد كبير منهم وهاجر آخرون خوفاً على حياتهم. هذا الواقع المرير يضعنا أمام تحديات جسيمة، ولكنها أيضاً تذكرنا بأن إرادة الحياة أقوى من كل الدمار.
**دمار هائل في البنية التحتية.. والصحة لا تنتظر
حوار :- تاج السر ود الخير
يقول د. أسامة عبدالرحمن الفكي الوزير المكلف إن الدمار الذي طال البنية التحتية الصحية فاق كل التوقعات. “وضعنا سيناريوهات متعددة قبل التحرير، ولكن الواقع كان أقسى من التصورات.
الصحة لا تنتظر، لذا اعتمدنا على خطط سريعة لتقديم الخدمات العاجلة”.
**مراكز صحية تعود للعمل.. ونقص الكوادر يشكل تحدياً كبيراً
بمجرد تحرير مدينة ود مدني، دخلت فرق الوزارة لتقييم الوضع وبدأت في تشغيل المراكز الصحية. تم تشغيل 37 مركزاً صحياً بنسبة 80%، لكن التحدي الأكبر كان نقص الكوادر الطبية بسبب النزوح القسري الذي تعرضوا له.
وأوضح د. الفكي: “الكوادر الطبية تعرضت للاستهداف المباشر من قبل المليشيات، مما أدى إلى استشهاد عدد كبير منهم. العديد من الأطباء والممرضين هُجّروا خارج الولاية أو خارج السودان”.
**مبادرات شعبية ودولية تدعم القطاع الصحي
لتعويض النقص في الكوادر والموارد، تم تنظيم أيام علاجية بالتعاون مع منظمات مثل جمعية تنظيم الأسرة وصندوق الإعانة الكويتي. كما قدمت مبادرة “سابا” للأطباء في أمريكا أكثر من 5000 معالجة في مستشفى الكلى. وأشار د. الفكي إلى أن مبادرات النظافة التي قادها أهالي المنطقة ساهمت في تحسين مظهر المستشفيات.
**تحديات الكهرباء والطاقة الشمسية.. حلول مبتكرة لاستدامة الخدمات
تشغيل المرافق الصحية لا يزال صعباً بسبب التخريب الشامل الذي طال البنية التحتية. وقال د. الفكي: “الطاقة الشمسية أصبحت حلاً ناجحاً للمراكز الصحية الصغيرة، لكن تكلفة تغطية المستشفيات الكبيرة مرتفعة جداً. نركز على تغطية الأقسام الحيوية مثل غرف العمليات والعناية المكثفة”.
**سرقة المعدات والأجهزة الطبية.. عقبة كبرى في طريق الإعمار
كشف د. الفكي عن سرقة أجهزة طبية حيوية، بما في ذلك أجهزة العناية المكثفة والأشعة التشخيصية مثل الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية. كما تمت سرقة الأدوية والمستلزمات الطبية من الصيدليات، وحتى الحواسيب الإدارية لم تسلم من السرقة. وأضاف: “نتلقى يومياً تقارير عن سرقة مراكز صحية وتدميرها بالكامل”.
**صحة البيئة ومكافحة الأمراض.. تحديات جديدة في مرحلة ما بعد التحرير
من التحديات الكبيرة التي تواجهها الوزارة قضية صحة البيئة، خاصة إدارة النفايات ومكافحة الأمراض المنقولة بالنواقل مثل الملاريا وحمى الضنك. وأوضح د. الفكي: “غياب السكان عن منازلهم بسبب النزوح يُضعف من فعالية حملات الرش الضبابي. نحتاج إلى دعم أكبر لتحقيق تغطية شاملة”.
**جهود مشتركة تبعث الأمل.. والهدف تشغيل المراكز الصحية بنسبة 100%
رغم التحديات، فإن الجهود المشتركة بين الحكومة والمنظمات والمبادرات الشعبية بدأت تؤتي ثمارها. وقال د. الفكي: “نتوقع أن يصبح الشكل العام للخدمات الصحية أكثر وضوحاً بحلول شهر رمضان المقبل. نركز حالياً على تشغيل أقسام الطوارئ في المستشفيات، وهدفنا هو تشغيل المراكز الصحية بنسبة 100%”.
**التأمين الصحي والإمدادات الطبية.. ركائز أساسية في استعادة الخدمات
أكد د. الفكي على الدور الكبير الذي يلعبه التأمين الصحي في دعم جهود إعادة الإعمار، مشيراً إلى أن الإمدادات الطبية كانت “الحصان الأسود” في تقديم الخدمات خلال الفترة الماضية.
وقال: “نجاحنا قبل التحرير يعود بشكل كبير إلى جهود الإمدادات الطبية الاتحادية التي قدمت المستلزمات الطبية بشكل مستمر وعاجل، وبانتظام منقطع النظير، برعاية السيد وزير الصحة الاتحادي”. وأضاف: “كرقم أولي، تم تسليم كميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات الطبية لأكثر من 300 مركز صحي في القرى والمحليات”.
**الهلال الأحمر والدفاع المدني.. شركاء أساسيون في المعركة
أشاد د. الفكي بدور الهلال الأحمر، قائلاً: “لديهم وجود فعّال في المنطقة، وننتظر منهم دوراً أكبر في الفترة القادمة، خاصة في جانب المبادرات”. كما وجه الشكر الخاص للدفاع المدني على جهودهم في تطهير وتعقيم المؤسسات الصحية، ودفن الجثامين، وتعقيم الطرق، مؤكداً أن هذه الجهود تُعتبر شراكات مهمة نتمنى أن تستمر.
**دعم القيادة والجهد الشعبي.. أساس النجاح
أشار د. الفكي إلى أن الوالي كان المشرف العام على جهود إعادة الإعمار، حيث قام بمتابعة وتوجيه العمل بشكل مستمر. وقال: “عرضنا خطتنا على الوالي، وأجازها بشكل واضح، كما يقدم لنا الدعم والإسناد اللازم”. كما أشاد بدعم أمين عام الحكومة ووزير المالية الولائي والاتحادي، مؤكداً أن الجهد الشعبي يُعتبر الأساس في كل هذه الإنجازات.
**نداء للدعم.. الصحة تحتاج إلى مساعدات عاجلة
اختتم د. الفكي حديثه بالتشديد على الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية: “نناشد أي جهة اعتبارية أو إنسانية لتقديم الدعم للقطاع الصحي. الجهد الشعبي هو أساس نجاحنا، ولكننا نحتاج إلى دعم أكبر لاستعادة الخدمات الصحية بشكل كامل”.
**خاتمة: من بين الأنقاض.. تُولد إرادة الحياة
الدمار الذي خلفته المليشيات في القطاع الصحي بولاية الجزيرة ليس مجرد أرقام أو إحصائيات، بل هو جرح غائر في جسد الوطن. كل سرقة، كل تدمير، كل استهداف للكوادر الصحية كان يهدف إلى كسر إرادة الشعب، ولكنهم لم يدركوا أن إرادة الحياة أقوى من كل الدمار.
من بين الأنقاض، بدأت تظهر ملامح التعافي. المستشفيات التي كانت يوماً ما ساحات للخراب، بدأت تستعيد عافيتها بفضل جهود الرجال والنساء الذين رفضوا الاستسلام. الكوادر الطبية التي هُجّرت تعود تدريجياً، والأجهزة الطبية التي سُرقت يتم استبدالها بجهود شعبية ودولية.
التحديات كبيرة، ولكن الأمل أكبر. ولاية الجزيرة تعود إلى الحياة، والصحة في قلب معركة الإعمار. هذه المعركة ليست سهلة، ولكنها معركة تستحق أن نخوضها، لأنها معركة من أجل الحياة نفسها.