مقالات الظهيرة

غابة الفيل والأحزمة الشجرية في القضارف… إبادة بيئية بلا رحمة!!

القضارف – تاج السر ود الخير:

في ظل غياب تام للرقابة والمساءلة، تشهد الأحزمة الشجرية في ولاية القضارف عملية إبادة ممنهجة للأشجار، حيث يتم قطعها وتحويلها إلى فحم بشكل عشوائي ومستمر، دون أي اعتبار للقوانين أو للتوازن البيئي. هذه الكارثة البيئية التي تحدث أمام أعين المسؤولين تُعتبر صفعة قوية لجهود الحفاظ على البيئة وتُهدد باختفاء أحد أهم الرئات الخضراء في السودان.

تشير تقارير ميدانية ومتابعات صحفية إلى أن عمليات القطع الجائر للأشجار تتم على مدار الساعة، حيث يعمل العمال بمناشير كهربائية وعربات لنقل الأخشاب، بينما تُشعل النيران يومياً لتحويل الأخشاب إلى فحم. هذه العمليات تتم بتواطؤ واضح من بعض المسؤولين المحليين، فيما يتذرع بعض من مسئولي الغابات بعدم وجود إمكانيات للوصول إلى المناطق المتضررة أو اتخاذ إجراءات فاعلة.

 

سبق وان تم إبلاغ المسؤولين في غابات الشوك والقضارف عن هذه الانتهاكات، إلا أن الردود كانت ضعيفة وغير فاعلة، مما يعكس إهمالاً كبيراً من قبل الدولة في حماية هذه الثروة الطبيعية. الغابة، التي كانت يوماً مأوى للحيوانات البرية مثل القرود والطيور، ومقصداً للسياح، تتحول الآن إلى أرض قاحلة بفعل الجشع البشري.

 

**القطع بالمناشير والفحم: إبادة ممنهجة على طريق القضارف-مدني

 

على طول الطريق من القضارف نحو القدمبلية والمقرح، حيث توجد مشاريع مخططة وأحزمة شجرية، شهدت المنطقة عمليات قطع جائر للأشجار باستخدام المناشير، وتحويلها إلى فحم. المشاريع التي يفترض أن تكون محمية بأحزمة شجرية تتعرض للإبادة، حيث يتم قطع الأشجار بشكل عشوائي، حتى أن بعض من القوات النظامية بمختلف مسمياتها تشارك في هذه العمليات الأخشاب المقطوعة، خاصة أشجار الطلح التي انتهت منذ وقت بعيد، يتم بيعها للمخابز كحطب، مما يعكس استغلالاً فاضحاً لثروات الدولة.

 

**غابة الفيل: قرى ود الناير وود كابو والرواشدة تدمر الغابة

 

في غابة الفيل، يقوم بعض من صغار المزارعين بقرى ود الناير وود كابو والرواشدة، بعمليات قطع وحرق للأشجار تحت ذريعة “تنظيف الأرض للزراعة”. حتي تمت إبادة أشجار الفحم منذ وقت طويل، والآن يتم استهداف أشجار الكتر والهشاب والهجليج. من قبل بعض من سكان ود كابو وود الناير والرواشدة حيث بعض منهم بقوم بزراعة الأرض دون تصديق رسمي، مما يزيد من تدهور الوضع البيئي.

 

اما أشجار الطلح التي يبلغ عمرها عامين بالقرب من معسكر الغابات تم إبادتها، رغم علم المسؤولين بالجناة المعلومين في المنطقة. يذكر ان بعض من مزارعي الرواشدة، يقومون بالزراعة دون أي تصديق رسمي ووصلت الاراضي الي حوالي 30 ألف فدان،، اما قريتي ود كابو وود الناير فهما يحذوان حذو قرية الرواشدة مما يعكس فشل الدولة في حماية هذه الثروة الطبيعية

 

**تواطؤ رسمي واستغلال غير قانوني

 

كما تكشف التحقيقاتوالصحفية أن مزارعين، بالتعاون مع إدارة الغابات، يقومون بقطع الأشجار بشكل غير قانوني، بل إن بعض من القوات النظامية بمختلف مسمياتها والمليشيات تشارك في هذه العمليات. كما يتم تأجير مساحات شاسعة من الأراضي الغابية بأسعار زهيدة، حيث يتم تأجير الفدان الواحد بمبلغ 3 مليون جنيه، بينما يمكن أن يصل سعره في السوق إلى 40 مليون جنيه، مما يعكس استغلالاً فاضحاً لثروات الدولة.

 

ويتم حالياً تأجير مساحات كبيرة من الأراضي الغابية دون مراعاة للقوانين، حيث يزرع بعض المزارعين مساحات تصل إلى200 فدان دون عقود رسمية، بينما يفترض أن تكون المساحة القصوى 50 فداناً فقط. هذا الاستغلال غير المنضبط أدى إلى استحواذ المزارعين على مساحات شاسعة من الغابات، مما يهدد باختفائها تماماً في غضون أشهر قليلة.

 

**غياب الرقابة والمساءلة: الدولة تتجاهل الكارثة

 

غياب الرقابة الفاعلة من قبل وزارة الزراعة والجهات المعنية الأخرى أدى إلى تفاقم الأزمة. فبدلاً من أن تكون الوزارة مسؤولة بشكل مباشر عن حماية الغابات، أصبحت الغابات ضحية للإهمال والفساد. ولا يوجد أي رقيب أو حسيب على الأموال التي يتم تحصيلها من تأجير الأراضي أو بيع الفحم، مما يجعل هذه الثروة الطبيعية عرضة للنهب المستمر.

 

**نداء عاجل: إنقاذ غابة الفيل قبل فوات الأوان!

 

إذا استمر الوضع على هذا المنوال، فإن غابة الفيل والأحزمة الشجرية في القضارف ستختفي تماماً في غضون أشهر قليلة، مما سيؤدي إلى كارثة بيئية واقتصادية كبيرة. نحن بحاجة إلى إجراءات عاجلة وفاعلة من قبل الدولة، بما في ذلك تعزيز الرقابة من خلال تعيين فرق رقابة مستقلة لمراقبة الغابات وضمان تطبيق القوانين، ومحاسبة جميع المتورطين في قطع الأشجار وتحويلها إلى فحم، سواء كانوا مزارعين أو مسؤولين، وإلزام المزارعين بزراعة 10٪ من مساحاتهم الزراعية بأشجار غابية لتخفيف الضغط على الغابات المحجوزة، وإشراك المجتمع المحلي من خلال تعيين خفراء من أهالي القرى المجاورة لحماية الغابات، مما يعزز شعورهم بالمسؤولية تجاه هذه الثروة.

 

غابة الفيل ليست مجرد أشجار، بل هي رئة خضراء تتنفس منها ولاية القضارف، ومأوى للحيوانات البرية، ومصدر دخل للسياحة. إذا لم تتحرك الدولة الآن، فإننا سنفقد هذه الثروة إلى الأبد، وسنكون أمام كارثة بيئية لا يمكن تعويضها. إن غض الطرف عن هذه الجريمة البيئية هو خيانة للأجيال القادمة، وعلينا أن نتحرك قبل فوات الأوان!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى