علاقة الدين بالدولة… في سودان ما بعد الحرب!!
مقال يكتبه للظهيرة :
د.محمد عبدالله كوكو
رئيس الجبهة الوطنية-الولايات الوسطى
باحث ومفكر إسلامي
اجتهد العلمانيون في الدول الإسلامية وفي السودان خاصة في السنوات الاخيرة على ربط الديمقراطية بالعلمانية
بمعني أنه اذا أردنا الديمقراطية فيجب فصل الدين عن الدولة ويجب أن تقف الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان.
وقد نص اتفاقهم الاطاري على ذلك …وهذا كذب وافتراء وخداع منهم
فالديمقراطية ليست مرتبطة بالعلمانية ..فأكثر الدول ديمقراطية وضعت دينها كمصدر اساسي في دساتيرها
وفي ما يأتي مجرد نماذج -وليست جردًا حصريًّا- لوضع الدين في دساتير عدد من الدول غير المسلمة، وبعضها ديمقراطيات غربية عريقة:
فالنرويج التي حازت الرقم الأول في المؤشر السنوي للديمقراطية عام 2020 ينص دستورها على أن “قيَمنا ستظل تراثَنا الإنساني والمسيحي،” وعلى أنه “يجب أن يظل الملك دائما مؤمنا بالديانة الإنجيلية اللوثرية” (المادتان الثانية والرابعة على التوالي). وآيسلندا الحاصلة على الموقع الثاني في المؤشر الديمقراطي ينص دستورها على أن “الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة الرسمية في آيسلندا، وبصفتها هذه يجب أن تدعمها الدولة وتحميها” (المادة 62). والسويد الحاصلة على الموقع الثالث في المؤشر الديمقراطي ينص دستورها على أن “الملك يجب أن يؤمن دائما بالعقيدة الإنجيلية النقيَّة، وأيُّ عضو في الأسرة المالكة لا يؤمن بهذه العقيدة فهو محروم من جميع الحقوق في توارث العرش” (المادة الرابعة)، ويمنح دستورها صلاحيات خاصة لـ”كنيسة السويد” -وهي على المذهب اللوثري- في إصدار بعض الوثائق الرسمية التي لا تصدرها سوى الجهات الحكومية عادة (المادة 17)، كما ينص على حق الدولة في تقييد حرية الأجانب الدينية (المادة 25).
أما المسيحية الكاثوليكية فقد نصت عليها مجموعة من الدساتير ديانةً رسميةً،
ولا يختلف الأمر في المسيحية الأرثوذكسية التي تبنّتها مجموعة من الدول ديانة رسمية أو ديانة ذات مكانة دستورية خاصة. فاليونان -مثلا- ينص دستورها على أن “الديانة السائدة في اليونان هي كنيسة المسيح الشرقية الأرثوذكسية” (المادة الثالثة، الفقرة الأولى) بها” (المادة 14)، . ولا بد من التوقف هنا للتذكير بأن الاتحاد الأوروبي الذي يرفض انضمام تركيا ذات الغالبية المسلمة إليه منذ عقود -رغم نص دستورها على العلمانية- لم يعْترض على انضمام جارتها اليونان إلى الاتحاد رغم الصبغة الدينية الصارخة في دستور اليونان، ولم يعترض الاتحاد الأوروبي على وجود ديانات رسمية في دساتير عدد من الدول الأوروبية ما دام الأمر متعلقا بالديانة المسيحية.
وجعل دستور بلغاريا “المسيحية الشرقية الأرثوذكسية هي الديانة التقليدية لجمهورية بلغاريا” (المادة 13)، ونص دستور أرمينيا على أن “جمهورية أرمينيا تعترف بالرسالة الاستثنائية للكنيسة الأرمنية الرسولية المقدسة، باعتبارها الكنيسة الوطنية، في الحياة الروحية للشعب الأرمني، وفي تطور الثقافة الوطنية، وفي المحافظة على الهوية الوطنية” (المادة 17)، وافتخرت المجَر في دستورها بأنها “جزء من أوروبا المسيحية” منذ ألف عام (الديباجة).
وأشادت بـ”دور المسيحية في المحافَظة على الهوية الوطنية” (الديباجة)، ومثلها لاتفيا التي أكدت أن مكانتها “في الفضاء الثقافي الأوروبي” قد صاغتها “القيم المسيحية” (الديباجة)، وكذلك بولندا التي ورد في دستورها “إن ثقافتنا ترجع جذورها إلى تراثنا المسيحي” (الديباجة)، كما جعل دستورها علاقة الدولة بالكنيسة الكاثوليكية محكومة باتفاقيات بينها وبين الفاتيكان (المادة 25).
وتوجد نماذج أخرى من حضور الدين في النظام الدستوري للدول، لا يتسع المقام لسردها هنا، ويكفي ما أوردناه على وجود ديانات رسمية ووطنية في دساتير العديد من دول العالم، ومنها ديمقراطيات عريقة في أوروبا الغربية، مصنَّفة في أعلى سلَّم التطور الديمقرطي في العالم. وقد رأيتم الان أين تم تنصيب الرئيس الأمريكي ترامب فكيف يجعلون دينهم دينا رسميا للدولة ويمنعوننا من هذا الحق إن من حق الأكثريات المسلمة -بكل المعايير الديمقراطية- أن تنص على الإسلام دينا رسميا للدولة، بما يترتب على ذلك من مرجعية ثقافية ورمزية، ومن حقها النص في دساتيرها على مرجعية الإسلام القانونية والأخلاقية. فالمواطَنة المتساوية تتأسس على احترام الخيار الشعبي الذي تعبر عنه غالبية المجتمع، فتترجم من خلاله عقائدها وقيَمها إلى مؤسسات وإجراءات، وهذا هو مصدر الشرعية السياسية في كل الديمقراطيات الحقَّة. أما استعلاء الأقليات على الأكثريات، وفرضها شروطا سابقة على الخيار الديمقراطي، واستقواؤها بقوى دينية ولادينية خارجية (كما حصل عندنا في السودان )، فهو يقود إلى الصراعات والتشظي والحروبات. فإلى متى ترضى الشعوب المسلمة بالتطفيف وازدواجية المعايير؟!
فالسودان الجديد بعد هذه الحرب التي دمرت كل شئ والتي اشعلتها الاقلية العلمانية لفرض دينها العلماني على الأغلبية المسلمة يجب أن يضع الإسلام المرجعية الأساسية للتشريع لأنه دين الأغلبية …واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة حيث انها لغة الاغلبية والله ولي التوفيق
الخميس ٢٣ يناير ٢٠٢٥