مقالات الظهيرة

صهيب حامد يكتب… وأخيراً بعد تدخلها رسمياً في الحرب بضرب عاصمتنا الإدارية بورتسودان.. أي رهانات يحملها صراعنا الإستراتيجي مع الإمارات!!؟(٥-٥)

وأخيرا.. وكما أسلفنا في مقالنا السابق ، فإنه متى ما إخْتلَّ توازن القِوى على الصعيد العالمي ، كذلك فسوف ينعكس ذلك على صعيد التوازن الإقليمي خصوصاً في الشرق الأوسط وأفريقيا.

حيث تشتغل الإمارات كقوة شبه إمبريالية (Sub—imperial) لصالح المركز العالمي الإمبريالي (الولايات المتحدة) وربيبتها في المنطقة (إسرائيل). لذا فليس من مناص لمتخذي القرار في بلادنا سوى الإنتباه لهذه المتغيرات لما لها من تعلق بالخطر الإستراتيجي الذي ينتاش بلادنا اليوم ممثلاً في التحدي الإماراتي. وكما أسلفنا في مقالنا السالف أن العالم اليوم يشهد مؤشرات قوية لتفوق صيني مطّرد (الصين كقوة عظمى صاعدة) على حساب الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى في طور التحلل. ويتجلّى هذا التفوق في مجالات ثلاثة.. أولاً إستراتيجياً يشهد العالم تفوقاً غير مسبوق لعدة الحرب الصينية على حساب السلاح الغربي.

وهو ما أكدته الحرب الهندية الباكستانية ، وثانياً يشهد العالم كذلك تفوقاً إقتصادياً صينياً الذي أكدته حرب الرسوم الجمركية التي دشّنها الرئيس ترمب بقرارات ٢ أبريل ٢٠٢٥م والتي أحدثت إعتلالاً أصابَ الإقتصاد الأمريكي ومنه إنتقل للإقتصاد العالمي معطياً مؤشرات مؤكدة لحدوث تباطؤ في النمو الإقتصادي (Recession ) ومقدمات لركود تضخمي (Stagflation) داخل الولايات المتحدة الأمريكية وناقلاً عدوته على الصعيد الدولي ،.

مما حدى بالحكومة الأمريكية للتراجع المذل أمام التصلب الصيني إلى أن تم التراضي على حل قضى بتراجع الولايات المتحدة عن قراراتها في ١١ مايو الماضي ٢٠٢٥م!!. وأخيراً فلقد إستطاعت الصين تجاوز كل العراقيل التي وضعتها الولايات المتحدة أمامها على الصعيد الرقمي (Technologies) خصوصاً في مجال الرقائق الإلكترونية متناهية النانوية ، وكذلك في مجال الذكاء الإصطناعي وهكذا كي تشعر الولايات المتحدة بالتهديد لأول مرة كمنظومة جيوسياسية لا منافس لها منذ نهاية الحرب الباردة في بداية تسعينيات القرن الماضي!!.

 

إن فرضية هذا الكاتب تقوم على محدودية إمكانية بلادنا على تحييد الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في مضمار معركتنا الحالية مع الإمارات لعمق إرتباط الأخيرة مع هذه القوى كمركز إمبريالي(Imperial power ) تعمل الإمارات خلال منظومته الجيوسياسية كمركز شبه إمبريالي (Sub—imperial power) تابع له في المنطقة (الشرق الأوسط وأفريقيا). ذلك من يدٍ ،

 

ولكن بلا شك كذلك فإن الإمارات هي شريك إقتصادي عالي الجودة لكل من الصين وروسيا ، فهي تحتفظ بتبادل تجاري مع الأولى يبلغ ١٠٠ مليار دولار ومع الثانية يبلغ ١٠ مليار دولار ، مقابل ١٦٩ مليون دولار و١١٠ مليون دولار لبلادنا مع كل من الصين وروسيا على التوالي!!!.

بالطبع أن التفوق المريع للإمارات على بلادنا في العلاقات الإقتصادية مع العملاقين الشرقيين هو لما يؤسف له ، ولكن الجانب المشرق هو نجاحنا في إستخدام الكرت الإستراتيجي إزاء روسيا مما أدى بنا لتحييد الدب الروسي.

لقد كان لتوفيق الرب أن مكّن جيشنا من السيطرة التامة على سواحل بلادنا على البحر الأحمر طيلة سنين الحرب وهو ما جعلنا جزء من معادلة التوازن الإقليمي الجيوسياسي في البحر الأحمر. إن الكرت الإستراتيجي للبحر الأحمر كان طوق النجاة لبلادنا بخصوص روسيا التي إنسحبت من قائمة الداعمين للدعم السريع والإمارات في بداية الحرب والإنتقال لمربع دعم الجيش مقابل الملف الإستراتيجي (القاعدة البحرية) وهو نجاح يحسب للقيادة الحالية للبلاد ممثلة في الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

 

ولكن ما هو الكرت الإستراتيجي الذي يتوجب إستخدامه لتحييد الصين!!؟. لحسن الحظ يكمن سر العلاقات المتميزة بين الصين والإمارات في الاقتصاد والاقتصاد فحسب ، إذ أن الصينيين لن يتنازلوا لكائنٍ من كان عن ١٠٠ مليار دولار (قيمة مشتريات تدفعها الإمارات للصين) ولا عن النفط الرخيص الذي تشتريه من الإمارات. ولكن من يدٍ ، فلقد أصبحت الإمارات تمثل خطراً جيوسياسياً علي الصين بعد توقيع عقدها الأخير مع الولايات المتحدة لإنشاء أكبر مركز للذكاء الإصطناعي في العالم بإمارة أبو ظبي كجزء من المشروع الحكومي الأمريكي (Stargate) الذي ابتدرته إدارة ترامب لصنع أكبر بنية تحتية لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعي في العالم!!؟.

 

فلقد تم الإتفاق قبل زمن كافٍ من الزيارة الحالية للرئيس ترمب على إلحاق الإمارات بمشروع الذكاء الإصطناعي الأمريكي العملاق (Stargate) بتركيب مجمع للذكاء الإصطناعي بإمارة ابو ظبي بطاقة تبلغ ٥ ميقاوات (!!) في مساحة ١٠ ميل مربع وذلك لتركيب ١.٥ مليون كرت Blackwell خلال ٣ سنوات وهو ما سوف يجعل هذا المركز الأكبر لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعي في العالم!!. لقد قدمت الإمارات الرشوة الشهيرة (إستثمارات ال ١.٤ ترليون دولار as US-based investments) مقابل أن تصبح الإمارات شريكاً في هذا المشروع وهو ما يضمن للإمارات شركاء بضخامة (Nvidia) و(Softbank) و(Open AI) و (Sisco) (Microsoft) ، وسوف تستفيد من المشروع ١٦ ولاية أمريكية إلى جانب الإمارات العربية المتحدة!!.

 

تبلغ قيمة البنيات المتوجب إنشاؤها لمقابلة مطلوبات هذا المشروع بالإمارات مبلغ ١٥٠ مليار دولار ، على أن تتولى الإمارات إدارة المشروع وتسويقه بكل من الشرق الأوسط والشرق الأدنى وأفريقيا والاتحاد الأوروبي. ترجح هذه الشراكة فرضية هذا الكاتب بخصوص أن الإمارات هي فعلا الذراع شبه الإمبريالي الذي لا يمكن للولايات المتحدة الاستغناء عنه وإلّا لمنحت الفرصة للمملكة العربية السعودية التي حظيت عُشرْ هذا الاهتمام إذ تم التعاقد معها لإنشاء مركز الذكاء الإصطناعي بالمملكة تديره شركة (Humain) بطاقة كروت Blackwell لا تزيد عن ١٨٠ الف كرت مقابل ١.٥ مليون كرت للمركز الإماراتي!!.

 

فمما لا شك فيه أن مشروعات الذكاء الإصطناعي بكل من الولايات المتحدة والصين هي التي سوف تحسم معركة الريادة والقطبية لجهة أن الذكاء الإصطناعي قد أصبح هو رأس الرمح للثورة الرقمية الآن ، إذ صار من المتفق حوله أن من يحسم المعركة الرقمية هو الفائز لأنه قد صار مسلّماً به أنّ الحرب والإقتصاد وغيرهما في المرحلة القادمة مرتبط بثورة الذكاء الإصطناعي(AI boom). وكما هو معلوم فالمعركة الرقمية لم تزل في مرحلة التعادل بين الصين والولايات المتحدة ،.

فعملاق الذكاء الإصطناعي الأمريكي (إنفيديا) أنتج المعالج الرسومي (GPU) الأحدث (Blackwell) فأنتجت الصين المعالج الرسومي الذي يكاد يتجاوز هذا الأخير (910C). كذلك أنتجت أمريكا برمجيات الذكاء الإصطناعي الأكثر تطورا وعلى رأسها chatGPT ، فردت الصين بال (Deepseek) ولم يزل الحبل على الجرار. إذن إئتمان الولايات المتحدة للإمارات على الدخول في مشروعها الأضخم لا يتم قبل ضمان ولاء الإمارات لخوض المعركة الإستراتيجية إلى جانب أمريكا حتى النهاية. وللأمانة فإن الرضوخ الأمريكي للشراكة الإماراتية له أسباب موضوعية في ضرورة إدخال شريك غير أمريكي وهو أن المخدم الواحد (a Unique server) في مركز الذكاء الإصطناعي يحتاج ل ٤٥٠ الف جالون من الماء يومياً لأغراض التبريد وهذا أمر في المجمل سوف تكون له كلفة بيئية عالية وضغط على الموارد المائية بشكل باهظ للغاية إن أنجز كل المشروع داخل الولايات المتحدة الأمريكية. إذن من المؤكد أن هذا التطور سوف يجعل الصين ترفع العلم الأحمر (to hold the red flag) بخصوص علاقتها بالإمارات ،

 

لأن حرب التفوق القادمة التي سوف ترتادها الولايات المتحدة للعودة لمربع قيادة العالم من جديد هي حرب التفوق في مضمار الذكاء الإصطناعي. كذلك ووفق الإتفاق حيال هذا المشروع لم تنسى الولايات المتحدة إهتبال الفرصة فإشترطت على دولة الإمارات تواجد عسكري أمريكي أكبر يضمن رفع منسوب الأمن والإستقرار في المنطقة بما في ذلك التوصل لتسوية مع إيران ، بل وإشراك هذه الأخيرة في تخصيب اليورانيوم لأغراض الطاقة لصالح مفاعلات المشروع الإماراتي الجديد الذي يستهلك ٥ ميقاوات ، فمشروع (Stargate) سوف يكون الجزء الأهم داخل منظومة الأمن القومي الأمريكي لضمان العودة لمنصة الزعامة العالمية من جديد والتخلص من المنافسة الصينية للأبد!!.

 

ولكن بالمقابل فإن ذلك لا يعني إنسلال الصين المباشر من علاقاتها مع الإمارات ، فالعلاقات الإقتصادية سوف تستمر بنفس الوتائر بيد أن الرهانات الجيوسياسية بينهما لن تكون في صالح الإمارات إن أحسن السودان قراءة كافة المعطيات وأحسن إبراز كروته الإستراتيجية في إطار مشروع محكم للعلاقة مع الصين (a well-built proposal). فإن نجحنا في ذلك فسوف نحيّد الصين جيوسياسياً كما فعلنا مع روسيا وليس ذلك على الله ببعيد.. إنتهى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى