مقالات الظهيرة

صهيب حامد يكتب… وأخيراً بعد تدخلها رسمياً في الحرب بضرب عاصمتنا الإدارية بورتسودان.. أي رهانات يحملها صراعنا الاستراتيجي مع الإمارات!!!؟ (٢-٥)

وكما اسهبنا في الحلقة الفائتة فإن الإمارات عبر ما إمتلكته من أدوات الرؤية والإستشراف الإستراتيجي تدرك منذ أمد ليس قصير أن العالم يقترب من نهاية إحدى دورات نظامه الدولي مترافقاً مع إقترابه من نهاية إحدى دوراته الحضارية ،

حيث يتخلل فترات الإنتقال دوماً أقدارٌ من الفوضى التي تمنح فرصاً ثمينة لبعض (القراصنة) كي ينهبوا ما شاء لهم من الممتلكات السيادية (Sovereign Properties) وهو ما تحاول الإمارات فعله اليوم بلا وازع من نخوة أو ضمير أو نظام أو قانون!!.

وكما أسلفت في الحلقة السابقة فإن الإمارات لن ترتقي كي تصبح عدواً إستراتيجياً للسودان ، فالعدو الإستراتيجي في المفهوم (الجيوبوليتيكي) هو كيان ترافق معك في النشأة والمصير ، فلا خيار لأحد في تاريخه وجغرافيته كما يقول المفكر والسياسي التركي د. محمد داؤود أوغلو. فالباكستان صنوها في العداء الإستراتيجي الهند ، وأوروبا صنوها روسيا ومصر صنوها إسرائيل والسعودية صنوها إيران. ولكن لا يمكن للإمارات أن تكون صنو بلادنا الإستراتيجي فهي لا تعدو سوى أن تكون طلمبة على الخليج لتعبئة الوقود كما يطلق عليها السياسي البريطاني جورج غلوي.

، فليس مزحة أن أصغر أعضاء مجلسنا السيادي أكبر منها سناً لدويلة نشأت لتوها في العام ١٩٧١م!!. ومع ذلك فإنها (أي الإمارات) يمكنها أن تشكل علينا خطراً إستراتيجياً في هذه اللحظة من تاريخنا ، خصوصا وأن المنظومة (الجيوسياسية) لبلادنا اليوم تعيش أضعف أحوالها بسبب نجاحها (أي الإمارات كذلك) في إختراقنا إجتماعياً وسياسياً وأمنياً وعسكريا.

وقد حدث ذلك إبتداءاً من العام ٢٠١٦م بسبب ولوغنا الخاطئ (بضغط خليجي مزدوج) في الحرب ضد الشعب اليمني الكريم. وكذلك فإنها تشكل خطراً إستراتيجياً علينا لخدمتها ككيان وظيفي إقليمي متخم بالمال (المال والنفط والصناديق السيادية) ، وكل ذلك يؤهلها لبلورة إطار ينتظم خلاله أعداء السودان الإستراتيجيين أو المرحليين لإلحاق أكبر الأذى ببلادنا مما من شأنه أن يورد بلادنا موارد الهلاك إن لم يلتف السودانيون اليوم حول قواتهم المسلحة الضامن الوحيد للخروج من هذا المنعرج التاريخي الخطير.

حسناً.. وكما أسلفنا أعلاه فلقد تمكنت الإمارات من إختراقنا إجتماعياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً. بخصوص الإختراق الإجتماعي ، فكما جرى تحليلنا في غير هذا المكان فلقد ورثت الجبهة الإسلامية القومية بقيادة د.حسن الترابي كل إرث حزب الأُمة وسط الحزام الرعوي إذ أنشآ معاً أولاً قوات الدفاع الشعبي لمواجهة الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام ١٩٨٨م إبان حكومة الوفاق الوطني ، ومن ثم كي تستفرد الجبهة الإسلامية فيما بعد العام ١٩٨٩م بكل هذا الإرث!!. لقد إتخذ دعم الدولة المركزية إنطلاقاً من العام ١٩٨٩م فصاعداً منعطفاً متصاعداً وكذلك تغير منهج هذا الدعم تغيراً نوعياً مستهدفاً التجييش الكامل للقطاع الرعوي لصالح منهج الحرب الشاملة ضد الحركة الشعبية بكل من جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق.

وفي خضم ذلك تم توجيه بندقية هذا الحزام الرعوي لتصفية حسابات صراع ذي طابع إجتماعي لا علاقة للدولة المركزية به ، أي صراع مجموعات سبل كسب العيش (livelihood groups conflicts) ، ثم كي يتسيس هذا الصراع فيما بعد فتجد الدولة المركزية نفسها مضطرة للسير إلى جانب حلفائها في الحزام الرعوي ضد مجموعات المزارعين المستقرين والذين تصادف أنهم كانوا من المجموعات الأفريقية!!.

لقد صوبت هذه البندقية أبتداءاً ضد مجموعات الجنوبيين ،.

ثم إرتدت فيما بعد كي تصوَّب لصدور للمجموعات الأفريقية بجبال النوبة والنيل الأزرق وأخيراً كما أسلفنا كي ترتد نفس البندقية إلى صدور المجموعات الأفريقية من المزارعين المستقرين بدارفور!!. أي لقد إتخذ الصراع ذي الطابع الأمني والعسكري والسياسي طابعاً عرقياً ، فدوماً كانت مجموعات الرعاة من المجموعات العربية وكان المزارعون من المجموعات و العناصر الأفريقية!!. وكما هو معلوم فلقد إعتاد مركز الدولة تحريك مجموعات الرعاة لصالح أجندته السياسية منذ الإستقلال (أولاً عبر حزب الأمة ومن ثم ورثت ذلك الجبهة الإسلامية) ، نتيجة لتوفره (أي المركز) على فوائض إقتصادية تمنحه القدرة على تمويل الأنشطة الضرورية لهذه المجموعات التي تنسجم مع أيديولوجيته التي كانت تقوم على المركزية العروبية والتي كانت قواماً مشتركاً جمع مركز الدولة والحزام الرعوي!!.

لقد إتخذ التحالف بين الدولة المركزية والمجموعات الرعوية أبتداءاً من مطلع هذه الألفية منعطفاً جديداً لم تصله هذه العلاقة من قبل لجهة الدعم والتنظيم والعلاقات والأدوار التي قامت بها قوات الدعم السريع لصالح الدولة المركزية. لقد كان العام ٢٠١٦ مفصلياً وتاريخياً في العلاقة بين الدولة المركزية وحواضن الحزام الرعوي في السودان ، إذ وجد مركز الدولة السودانية نفسه لأول مرة أمام أخطائه التاريخية المتمثلة في دعم جزء من مواطنيه ضد الجزء الآخر تحت غطاء عنصري عرقي وبتسويغ آيديولوجي عروبي معتمداً على الوفورات الإقتصادية للدولة السودانية!!. لقد برز في إطار العلاقة التي نشأت في حرب اليمن مركز جديد أكثر مركزية من مركزية الدولة السودانية في مضمار العروبة ، حيث يقع هذا المركز في قلب الهوية العربية الأصلية (المركز الخليجي) بينما يقع المركز السوداني على تخوم ذلك (على مرمى حجر من خط الاستواء) بمنطق النقاء العرقي العروبي إن كان من منطق يصح أكثر من منطق الإنتماء الوطني كهوية للدولة الحديثة. ذلك من يدٍ ،

أما من اليد الأخرى فلقد توفر هذا المركز العروبي الجديد على إحتياط مهول من الوفورات الإقتصادية لم تخطر على قلب بشر في بلادنا من قبل ، فتمكن عبر ذلك من خلق ولاء وسط الحواضن الرعوية التي كان الدعم السريع َوسيطها لذلك المركز الخليجي (الإمارات) ، الدعم السريع وهي ذات القوة التي سلمها المركز السوداني للمركز العروبي تسليم مفتاح ثم لا يراد لنا أن ننبس ببنت شفة في محاسبة من قام بذلك!!!. إذن لقد تفتت وللأبد التحالف التاريخي بين مركز الدولة السودانية العروبي وحواضن الحزام الرعوي التي صار يمثلها حميدتي وهو ما يعني أن القاعدة الإجتماعية للحكم في السودان والتي تشكلت كإندماج بين المركز العروبي للدولة السودانية والحواضن الرعوية في الأطراف قد إنتهى إلى غير رجعة وهو ما عنيناه بالإختراق الإجتماعي المذكور أعلاه وهو اكبر خطر إستراتيجي مثلته الإمارات (ولم تزل تمثِّله).

وقد مثّل قاعدة للإختراقات الأخرى التي ذكرناها آنفاً هنا (الأمني والعسكري والسياسي). فالإختراق العسكري والسياسي تمثل في التضخم السرطاني لقوات الدعم السريع وإنتصابها صنواً لقواتنا المسلحة. وهنا برز أرباب الإختراق السياسي من قوى الحرية والتغيير (قحط) مطالبين بالمساواة بين القوتين (الجيش والدعم السريع) ومانحين المليشيا (بإملاء من الإمارات) صكاً لتعيش عقداً من الزمان قبل الإندماج النهائي مع الجيش النظامي!!. ذلك جانب من الخطر الإستراتيجي الذي مثلته الإمارات على بلادنا غير إنتصابها كإطار تنتظم داخله قوى العداء الإستراتيجي الإقليمي الحقيقي أو المرحلي لتحقيق إستراتيجيتها في إضعاف بلادنا بالتفتيت أو الإنقسام الداخلي أو نهب الثروات الوطنية ولله المثل الأعلى!!.. نواصل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى