صهيب حامد يكتب… كيف يستفيد السودان من حرب الرسوم الجمركية بين أمريكا والصين لإحتلال موقعه الذي يوازي حجمه الحقيقي في عالم اليوم؟.(٣-٣)
حسناً.. إذن فهل السودان معنى بنقطة التوازن التي سوف تتمخض عنها الحرب التجارية الدائرة الآن بين أمريكا والصين؟
وإذا ما كانت الإجابة بنعم فيتوجب علينا الإستشراف الإستراتيجي (Strategic forecasting ) الذي يمكّننا من التموضع الإستراتيجي (Strategic positioning) الممكِّن لبلادنا لحجز مقعدها الطبيعي والطليعي في قادم الأيام. فللغرابة ينشر البعض سرديات غير علمية وغير موضوعية حول عدم قدرة السودان على النهوض قريباً للدمار الذي حاق به وببنياته التحتية والمؤسسة.
وما دروا أننا لم نكن إلّا في إحتياج للتخلص من أنصاف البني وبقايا الخرابات الوطنية التي إستعبدناها ردحاً من الزمان كسدرة منتهى ظناً أن الإستبناء تأسيساً عليها سوف يصنع نهوضاً وما درينا كسودانيين أن العائق البنيوي لبلورة أيِّ رؤية للنهضة ليس إلّا تلك الأنصاف والأرباع والخرابات وقد حالت بيننا والرؤية الإستراتيجية في سبيل اللحاق بالعالم.
إن إنهيار هذه الأسمال البالية التي كنا نتعذب بالعيش وسطها لهي أهم فرصة (Opertunity) وفق تحليل (SWOT) كي نشرع فوراً كسودانيين للتوافق حول رؤية أو (إستراتيجية) للنهوض تستلهم أفضل النمازج العالمية كالنهضة الماليزية أو الصينية أو اليابانية أو قل حتى الرواندية بدلاً من الإرتهان لإستراتيجيات إعادة التأهيل (Rehabilitation mentality) التي يبدو أنها تسيطر الآن على عقول بعض الحاكمين أو الموظفين هؤلاء الأخيرين الذين لا يفكرون إلَّا في الفواتير!!
يقول د. مهاتير محمد رائد النهضة الماليزية الحديثة أنَّه زار اليابان بعد الحرب العالمية الثانية ، فشاهد اليابانيين وهم يبنون اليابان مقابل وجبة واحدة في اليوم!!!. لقد حكى لي صديق يعمل الآن ك(وزير مكلف) قبل عدة أيام كيف أنهم زاروا مشروع أبو حبل الزراعي وقد وجدوه مدمْراً تدميرا ممنهجاً وكبيراً فلم يجدوا حتى شبابيك وأبواب وأسقف المكاتب الإدارية فضلاً عن الآليات الزراعية والقنوات وبوابات الري.. كلها تفرقت أيدي سبأ!!!
لقد كان مشروع (أبو حبل) الزراعي الذي أسسه الإنجليز في أربعبنيات القرن الماضي لزراعة الذرة لجنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في رمقه الأخيرة قبل إنطلاق هذه الحرب الأخيرة بمساحة لا تتجاوز ٧ الف فدان يزرع في عروة واحدة!!. أمّا وقد أصبح الآن كما يصفه صديقي (الوزير) فليس من مناص سوى السير على خطى الرؤية الإستراتيجية التي إجترحتها إحدى بيوت الخبرة وفق رغبة المجتمعات المحلية لتطويره لأغراض الأمن الغذائي الوطني لتوفير التغذية المدرسية بشراكة هذه المجتمعات في مساحة تبلغ ٦٠ الف فدان مع قيام بنيات ري تضمن الزراعة في الثلاث عروات ببناء خزان منظم للجريان (Regulatory Dam) يضمن ذلك ،
ويضمن كذلك إسهام المياه خلف السد لسد الحاجة الماسة لمياه الشرب بمدينة الأبيض عبر ترعة الرهد خلال (أم تقرقر) إلى (خزان بربر) ومنه لمدينة الأبيض عبر الأنابيب الناقلة. وعلى ذلك فلنقس كافة خططنا للمرحلة القادمة.
إذن كيف نبني على واقع عالمي متناقض مصطك (stuck) بين كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية!!؟. وهل تلوح فرصاً وعناصر قوة بين ثنايا ذلك أم هناك فقط عناصر الضعف والتهديد كما يعتقد البعض!!!؟.أين الفرصة في الحرب التجارية بين التنين الصيني والفيل الأمريكي في هذه اللحظة التاريخية؟.
بلا شك فلقد إكتشفنا وإكتشف العالم في ثنايا هذه الحرب التجارية الكثير من الحقائق الجمة.. أولا فلقد إكتشفنا أن الصين تستورد ما قيمته ٢٤ مليار دولار من الحبوب الزيتية المتمثلة في فول الصويا (Soybean) عبر وارداتها من أمريكا البالغة ١٤٣ مليار دولار في العام.
وبفعل الحرب التجارية التي أعلنها ترمب على الصين فسوف يضطر مزارعو (فول الصويا) الأمريكان بكل من ألينويز ومنيسوتا وأيوا وأركنساس في الموسم القادم لزراعة ١٥٪ فقط من المساحة التي زرعوها هذا العام!!.
فهل يتوفر السودان على موارد الحبوب الزيتية التي يمكنها الإسهام في فك معضلة الصين في الإعتماد على مزارع الغرب الأوسط الأمريكي؟
وهل لبلادنا خبرة كافية للقيام بذلك (مصنع النفير بولاية شمال كردفان الذي أغلقته لجنة إزالة التمكين كان يصدر للهند والصين).
أمّا أعلاف الحيوان (الذرة وغيرها من الحبوب) والتي تمثل٩٠٠ مليون دولار من واردات أمريكا للصين فسوف يكون مزارعوها في الغرب الاوسط ضمن ضحايا ترمب كذلك في حربه التجارية ضد التنين الصيني!!.
وكذلك هنالك الواردات الأمريكية الأخرى للصين المتمثلة في الفواكه الطازجة والألبان واللحوم والتي تبلغ قيمتها عدة مليارات لا تنقص سنتاً!!!.
فحتى وإن وصل العملاقان لتسوية في ثنايا هذه الأزمة فلسوف تفكر الصين لإيجاد أسواق مورِّدة أكثر مرونة حتى لا تقع مرة أخرى رهينة لترمب أو رئيس شعبوي آخر مثله يمارس نفس الابتزاز.
إذن لماذا لا نفكر كسودانيين في مقبل خطتنا الإستراتيجية لملء هذه الفجوة بجدية والقيام بهندرة (Business Process Reengineering) قطاع الصادرات ببلادنا للإضطلاع بذلك والإرتقاء بالميزان التجاري بيننا والصين بما يتجاوز ٢٠ مليار دولار في عقد من الزمان وهو الذي لم يتجاوز إلى يوم الناس هذا حاجز النصف مليار دولار!!. يجب التفكير جدياً في تطوير شراكتنا الإقتصادية مع الصين خصوصاً وأن المستقبل يقف مشرِعاً ومفرِدا ذراعيه لها كرهان لن يخلفه التاريخ.
ثمة فرصة أخرى ، فلقد كشفت لنا الحرب التجارية بين الصين وأمريكا كذلك أن معضلة هذه الأخيرة ومركز قوتها في ذات الآن هو توفرها على سوق الإستهلاك الأكبر في العالم بحجم يبلغ ١٨ ترليون دولار وهي قدرة ضخمة مقارنة بحجم الإستهلاك لأروبا (١٠ ترليون) والصين (٧ ترليون).
إذ يتفوق سوق الإستهلاك الأمريكي علي سوقي الإستهلاك بكل من الصين وأوروبا مجتمعين وهي نقطة قوة من جانب ونقطة ضعف من جانب آخر!!. نقطة قوة لأن كل الدول المنتجة للسلع يكون مقصدها الرئيس هو دخول والمنافسة في السوق الأمريكي وهو ما يجعل رئيس مثل ترمب يبتز العالم كما فعل في رفعه التعريفة الجمركية (Tariffs) على كافة الدول بلا إستثناء بما في ذلك أصدقاء أمريكا (الانتيم) كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا!!.
ونقطة ضعف لأن ضخامة الإستهلاك تشير لتشوه في الإقتصاد الأمريكي يتمثل في ضعف الإدّخار (Savings) بالولايات المتحدة (بين ٧-١٠٪ من الدخل) بله ضعف الإستثمار (Invesments) وهو الأمر الذي أضعف القاعدة الصناعية والإنتاجية (Production) لأمريكا و إعتمادها على الإستيراد لتغذية النهم الإستهلاكي الأمريكي وهو كذلك سبب العجز في الميزان التجاري الأمريكي وليس كما يدّعي ترمب أن الدول المورّدة لأمريكا هي مجموعة من السارقين!!!.
إذن يمكننا وضع سوق الإستهلاك الأمريكي (١٨ ترليون دولار) كهدف إستراتيجي لتجارتنا الخارجية ما بعد الحرب إذ أن فجوة الواردات الصينية لأمريكا والبالغة ٣٩٠ مليار دولار في العام سوف تمنح على المدى المتوسط والطويل فرصاً ذهبية لبلاد كبلادنا (إن تهيأت) للإستفادة من سوق بضخامة السوق الأمريكي وهو أمر يحتاج لإعادة ترتيب أوضاع القطاعات الاقتصادية في السودان بما يؤهلها للقيام بهذا الدور ،
حيث لا نحتاج هنا كذلك إلّا إتّباع نفس النصيحة السابقة بخصوص التعامل مع الصين روشتة (الهندرة). وبالطبع فقط علينا الإجتهاد الكبير لإجتياز حاجز العقوبات الإقتصادية المفروضة من قبل الإدارة الأميركية و نعتقد أن الأدارة الأمريكية سوف تكون أكثر مرونة في المرحلة القادمة في عقد صفقة ما مع (السودان) كما هو الحال الآن مع إيران وروسيا حيث يطير الآن مبعوث ترمب ملياردير العقارات (ستيف ويتكوف) بين كل من مسقط وكييف وموسكو ونتوقع
أن يكون بالخرطوم قريباً لتحقيق إنفتاح إقتصادي مع بلادنا على حساب الصين مستفيداً من الابتزاز بملف العقوبات كما يبترز إيران كذلك بنفس الملف ، في حال قيام مجلس السيادة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بدفع إستحقاق تكليف حكومة مدينة تدير هذا الملف وكافة ملفات الجهاز التنفيذي المدني للخروج ببلادنا من نفقٍ دخلت فيه ولم تخرج منه منذ ٢٠١٩م والى اليوم!!.انتهى.