مقالات الظهيرة

حين يصبح الموت دستورا!!

الظهيرة – د.أيمن محجوب عبد الله محمد:

في أرضٍ كانت يومًا تنبض بالحياة، تحول الخراب إلى القاعدة، وصار العنف قانونًا غير مكتوب تحكم به المليشيات. هناك، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص، وحيث يُقتل الإنسان قبل أن يُسأل عن اسمه، نشأت جرائم الجنجويد كدستورٍ جديد يحكم السودان بالنار والدم.

ليس القتل وحده ما ينفذونه، بل الإبادة المنظمة، حيث تُغتصب النساء أمام أزواجهن، وتُسرق الممتلكات كغنائم حرب، وتُهدم المدارس والمستشفيات حتى لا يبقى للوطن أثر. الجنجويد ليسوا مجرد مسلحين، بل آلةُ تدميرٍ تعمل بلا رحمة، تُفرغ القرى من أهلها، وتجعل المدن أطلالًا صامتةً على مآسي لا تحصى.

القصص التي ستُروى هنا ليست مجرد حكاياتٍ من وحي الخيال، بل انعكاسٌ لواقعٍ مُعاش، لحياةٍ انتهكتها المليشيات، ولأحلامٍ وأرواحٍ أُزهقت فقط لأن أصحابها أرادوا العيش بكرامة. هذه الكلمات ليست مجرد توثيقٍ، بل صرخةٌ في وجه العالم، لعلّه يصحو قبل أن يُمحى آخر أثرٍ للإنسانية في السودان.

القصة الأولى: لون الأرض القاني

في قرية صغيرة غرب السودان، كانت “هند” تحضن طفلها الرضيع حين اقتحم الجنجويد منزلها. صرخ الطفل، لكنها غطت فمه خوفًا من أن يكون ذلك سببًا في قتله. اقتادها الجنود إلى خارج المنزل، حيث كان زوجها “إدريس” مقيدًا وأصدقاؤه يجثون على ركبهم، وجوههم مغطاة بالغبار والخوف.

“أين الذهب؟ أين المال؟” صاح أحد المسلحين وهو يدوس على صدر إدريس. لم يكن لدى إدريس ما يعطيه، فدُفع إلى الأرض وتلقّى رصاصة في رأسه أمام زوجته. سقط جسده بلا روح، وانفجرت هند في صرخةٍ مكتومةٍ وهي تحاول التشبث بجثته.

لكن الجحيم لم ينتهِ بعد. اغتصبت هند في العراء، وسط أنين النساء الأخريات وصراخ الأطفال. وحين انتهوا، أشعلوا النيران في المنازل، وتركوهم تحت السماء التي كانت تشهد على خزي الإنسانية.

هربت هند إلى الغابة، ممسكة بطفلها، وقد عاهدت نفسها أن تعيش لتروي القصة، لعل العالم يسمع.

 

 

 

القصة الثانية: آخر جدار في المدينة

كان “عثمان” مهندسًا يعمل في بناء مدرسة جديدة للأطفال، يحلم أن يرى التعليم نورًا ينقذهم من واقعهم المظلم. لكنه لم يكن يعلم أن حلمه سيُسحق تحت أقدام الجنجويد.

في صباح يوم مشؤوم، دخلت المليشيات إلى المدينة بعرباتهم المدججة بالسلاح. قتلوا من قاوم، ونهبوا الأسواق، وأحرقوا المستشفى الوحيد الذي كان يعالج الجرحى. لم يكن الهدف فقط القتل، بل ترك المدينة خاوية من الأمل.

عثمان، الذي حاول حماية الخرائط والمخططات، وجد نفسه في مواجهة بندقية.

“هل تعتقد أنك ستبني لنا مدارس؟” ضحك أحد المسلحين قبل أن يسحب الزناد. سقط عثمان، ومعه سقط آخر جدار في مدرسته غير المكتملة، ليختفي معها مستقبلٌ كاد أن يكون مشرقًا.

القصة الثالثة: ظل الليل المخيف

كانت “رحمة” فتاةً في السابعة عشرة من عمرها، تحلم بأن تصبح طبيبة. لكن في ليلة سوداء، غيّر الجنجويد مجرى حياتها إلى الأبد.

دوى صوت الرصاص في الأفق، واشتعلت النيران في الأكواخ، وانتشر الرعب كالعاصفة. كانت رحمة تختبئ مع والدتها، لكنهم اقتحموا المنزل. قُتل والدها أمام عينيها، بينما سُحبت هي إلى الخارج.

صرخت، حاولت المقاومة، لكن قبضتهم كانت أقوى. تناوبوا على اغتصابها، وحين انتهوا، تركوها ملقاةً في الوحل، تنزف بلا حول ولا قوة.

في الصباح، وجدوها جثةً هامدة، لكن عينيها ظلتا مفتوحتين، كأنها لم تصدق أن البشر قد يتحولون إلى وحوش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى