مقالات الظهيرة

حصة عبدالله الحاي السليطي تكتب…. إسرائيل.. دولة فوق القانون والعالم تحت الصمت!!

تتكشف فصول المأساة الفلسطينية كل يوم بدماء جديدة، وأشلاء أطفال ونساء تتناثر بين ركام البيوت والخيام، فيما يواصل الاحتلال الإسرائيلي قصفه المتوحش لقطاع غزة بلا وازع من ضمير أو رادع من قانون.

وما بين صمت العالم وعجز المنظمات الدولية، يطل السؤال الإنساني المرّ: إلى متى تظل إسرائيل دولة فوق القانون، وإلى متى يظل الفلسطينيون وقودًا لصمتٍ دوليٍّ يساوم على حقهم في الحياة؟.

وصفت الأمم المتحدة عبر مفوضها السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، ما جرى في غزة بأنه “مروّع”، بعدما استهدفت الغارات مدارس ومنازل وخيامًا للنازحين، وأودت بحياة أكثر من مائة فلسطيني، بينهم عشرات النساء والأطفال. لكن كلمات “الأسف” و”القلق” التي اعتادت المنظمات الأممية ترديدها، لم تعد تُجدي نفعًا ولا تُعيد شهيدًا واحدًا من بين ركام غزة. لقد سقطت هيبة القانون الدولي حين سقط أول طفل بلا ذنب.

تلك المجازر ليست استثناءً في سجل إسرائيل الأسود، بل هي استمرار لنهج ثابت من الانتهاكات التي تضرب عرض الحائط بكل المواثيق الإنسانية.

من اتفاقيات جنيف إلى القانون العرفي الدولي. فالمبدأ الإنساني القائل بحماية المدنيين أثناء النزاعات صار في غزة مجرد حبر على ورق، تُداس عليه كل يوم بصواريخ لا تميّز بين مدرسة ومأوى، بين مصلٍّ وطفلٍ نائم.

على مرأى ومسمع العالم، تمارس إسرائيل سياسة الأرض المحروقة لتفريغ غزة من سكانها، وتحويلها إلى أطلال صامتة. لا بيوت تُترك قائمة، ولا مدارس تُحترم حرمتها، ولا مستشفيات تُستثنى من القصف. إنها حرب إبادة جماعية مقنّعة بشعارات “محاربة الإرهاب”، هدفها كسر إرادة شعبٍ آمنٍ بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع.

لقد نجحت إسرائيل في تحويل غزة إلى مختبر لاختبار الأسلحة، وساحةٍ مفتوحةٍ لتجريب حدود الصمت الدولي. وما يثير الفزع أن العالم بات يتعامل مع القتل الجماعي كأمر اعتيادي. البيانات تتكرر، والمجازر تتكرر، بينما العدالة تغيب كليًا. هذه ليست حربًا بين جيشين، بل عملية إعدام جماعي لشعبٍ بأكمله، على مرأى منظومة دولية تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان.

حين تتحدث الأمم المتحدة عن “تحقيقات مستقلة”، فإنها تعلم قبل غيرها أن تلك التحقيقات لن ترى النور. وحين يطالب مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، فإنه يدرك أن الفيتو الأمريكي جاهز ليجهض أي قرار لا يرضي إسرائيل. هكذا تُدار “العدالة الدولية” في زمن ازدواجية المعايير، وهكذا يتحول القانون إلى أداة في يد الأقوياء لإدامة ظلم الضعفاء.

المجتمع الدولي الذي يرفع شعار “حماية المدنيين”، هو ذاته الذي يبرر لإسرائيل “حق الدفاع عن النفس” حتى وهي تقتل الأطفال في أحضان أمهاتهم. كيف يُمكن لمن يحتل الأرض ويهدم البيوت ويحاصر الملايين أن يتحدث عن الدفاع؟! إنها مفارقة أخلاقية تُعرّي المنظومة العالمية من كل زيفها. فالعالم الذي يبرر القتل ليس إلا شريكًا فيه.

لقد تحولت القضية الفلسطينية إلى مرآة تكشف نفاق العالم، وإلى ميزان يقيس صدق الشعارات الغربية عن “الحرية” و”حقوق الإنسان”. ففي الوقت الذي يهرع فيه الغرب لإدانة أي انتهاك في بقعة من العالم، يصمت حين يتعلق الأمر بفلسطين. هنا تختفي العدالة، ويتبخر الضمير الإنساني، ويظهر وجه السياسة القبيح الذي يقيس الدماء بميزان المصالح.

إن مأساة غزة ليست مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة قانونية مكتملة الأركان. والسكوت عنها يعني التواطؤ معها. فكل قصف لمدرسة.

وكل بيت يُهدم فوق ساكنيه، هو شهادة على أن العالم فقد إنسانيته. لقد باتت الأمم المتحدة ومؤسساتها الحقوقية عاجزة عن حماية حتى مقراتها التي ترفع علمها فوقها، فكيف لها أن تحمي شعبًا بأكمله يعيش تحت الحصار؟

ورغم كل هذا القهر، فإن غزة لا تزال صامدة، تُعلّم العالم دروسًا في الكرامة والصبر والمقاومة. كل شهيدٍ يسقط هناك، يوقظ ضميرًا في مكان ما من العالم، وكل بيتٍ يُهدم يُشيّد في الوجدان ذاكرةً لا تموت. إن الشعب الفلسطيني لا يبحث عن شفقة العالم، بل عن عدالة وعده بها القانون، ثم خانها من وضعوه بأيديهم.

وفي خضم هذا الظلام الإنساني، يبرز الموقف القطري بوضوح كصوتٍ عاقلٍ وإنسانيٍّ في زمن الجنون. فدولة قطر، بثوابتها الأخلاقية والسياسية، ظلت منذ عقود نصيرًا للقضية الفلسطينية.

تدافع عنها في المحافل الدولية، وتدعم صمود أهلها بالمساعدات الإنسانية، وتذكّر العالم بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية. إنها سياسة تستمد قوتها من المبدأ، لا من المصلحة.

لقد أثبتت قطر أن السياسة يمكن أن تكون أخلاقية دون أن تفقد قوتها، وأن الدفاع عن المظلومين لا يتناقض مع الواقعية السياسية، بل يمنحها معناها الحقيقي. فبينما انشغلت دول كثيرة بحسابات الربح والخسارة، ظلت قطر ثابتة على مواقفها، تؤمن أن دعم الحق الفلسطيني ليس مجرد واجب قومي أو ديني فقط، بل هو التزام إنساني في المقام الأول.

في ضوء الوقائع المتتابعة، ثبت أن ما يسمى بـ”المجتمع الدولي” ليس سوى أكبر أكذوبة في التاريخ الحديث، وشعار خادع يُرفع لتبرير مصالح القوى الكبرى وهيمنتها على الشعوب الضعيفة.

فقد تبيّن أن هذا المجتمع المزعوم لا يتحرك إلا حين تمس مصالحه أو تتعرض أنظمته الاقتصادية والسياسية للخطر، أما حين تُباد الشعوب وتُنتهك الكرامة الإنسانية وتُدمر المدن وتُغتصب الحقوق في العالم الثالث، فإنه يصمت صمتًا مريبًا أو يكتفي ببيانات جوفاء لا تُغني ولا تُسمن من جوع. لقد صار مفهوم “المجتمع الدولي” غطاءً للانتقائية والنفاق السياسي، تُمارس باسمه ازدواجية المعايير بأبشع صورها، فالدولة التي تُدين العدوان في مكانٍ ما.

هي نفسها التي تموّله وتسلّح المعتدي في مكانٍ آخر، والمنظمات التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان تُغضّ الطرف عن أبشع الجرائم حين يكون مرتكبوها من حلفاء القوى الكبرى. وهكذا، تحوّل هذا المفهوم من رمزٍ للتضامن الإنساني إلى أداةٍ للتسلّط، ومن فكرةٍ أخلاقية نبيلة إلى مؤامرة ناعمة لإخضاع العالم لإرادة الأقوياء، مما يجعل الشعوب المستضعفة أكثر وعيًا بأن خلاصها الحقيقي لا يأتي من قرارات “مجلس الأمن” ولا من مؤتمرات جنيف، بل من وحدتها الداخلية وإيمانها بحقها في تقرير مصيرها بعيدًا عن هذه الأكذوبة الكبرى المسماة بالمجتمع الدولي.

ختاماً… سيكتب التاريخ أن إسرائيل، بدباباتها وطائراتها، لم تنتصر على طفل يحمل حجرًا، وأن العالم الذي صمت اليوم سيتحدث غدًا بالخجل. فكل قصف لغزة يقتل ما تبقّى من إنسانية في هذا الكوكب. وحدها الضمائر الحيّة.

مثل تلك التي تعبّر عنها المواقف القطرية، تُبقي الأمل قائمًا بأن العدل قد يتأخر، لكنه لا يموت. لأن الشعوب لا تُقهر، والإيمان بعدالة القضية أقوى من كل سلاحٍ أو فيتو.

**كاتبة وباحثة قطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى