حزب الأمة: من زعامة الفرد إلى غياب المؤسسية
الظهيرة – د.أيمن محجوب عبد الله محمد:
حزب الأمة، الذي كان يُعتبر في يوم من الأيام أحد أعرق الأحزاب السياسية في السودان وأكثرها تمثيلاً للقاعدة الجماهيرية، يمر اليوم بأزمة وجودية تهدد بقاءه ككيان سياسي فاعل. ما كان يُنظر إليه على أنه حزب جماهيري ذو تاريخ عريق، تحول إلى مجرد ظل لزعيم، بل إلى كيان يعاني من غياب المؤسسية والشفافية، مما أدى إلى تراجعه وتفككه بعد وفاة زعيمه التاريخي، الصادق المهدي.
حزب الأمة: من الجماهيرية إلى الفردية
حزب الأمة، الذي تأسس في أربعينيات القرن الماضي، كان يعتبر نفسه ممثلاً للإرث المهدوي وللتيار الإسلامي المعتدل في السودان. وقد لعب دورًا محوريًا في تاريخ السودان السياسي، خاصة خلال فترات الحكم الديمقراطي. لكن مع مرور الوقت، تحول الحزب من كيان جماهيري مؤسسي إلى حزب يدور حول شخصية زعيمه، الصادق المهدي، الذي كان يُعتبر رمزًا للحزب ومرجعيته الوحيدة.
بعد وفاة الصادق المهدي، بدأت ملامح الأزمة تظهر بشكل جلي. فالحزب الذي كان يعتمد بشكل شبه كلي على شخصية زعيمه، وجد نفسه في فراغ كبير. القرارات التي كانت تتخذ بشكل فردي من قبل الصادق المهدي، استمرت بعد وفاته، ولكن هذه المرة من قبل رئيس الحزب الحالي، فضل الله برمة، دون وجود آلية مؤسسية واضحة أو مشاورة حقيقية مع القيادات الأخرى داخل الحزب.
غياب المؤسسية: القرارات الفردية تهدم الحزب
أحد أكبر التحديات التي تواجه حزب الأمة اليوم هو غياب المؤسسية. القرارات داخل الحزب تتخذ بشكل فردي من قبل رئيس الحزب، دون مشاورة حتى مع نائبه أو أمين الحزب، الواثق البرير. هذا النهج الفردي في اتخاذ القرارات أدى إلى تفكك داخلي وفقدان الثقة بين أعضاء الحزب. فكيف يمكن لحزب أن يدعي تمثيل الجماهير وهو لا يستطيع حتى تمثيل قياداته الداخلية؟
غياب الشفافية والمشاورة داخل الحزب أدى إلى تحوله من كيان سياسي جماهيري إلى مجرد “جمعية أدبية”، كما يصفه البعض. بل إن الجمعيات الأدبية قد تكون أكثر تنظيماً وديمقراطية من هذا الحزب الذي فقد بوصلته السياسية وأصبح يعتمد على قرارات فردية لا تعكس إرادة القاعدة الجماهيرية.
حزب الأمة بعد الصادق المهدي: تدهور أم انهيار؟
بعد وفاة الصادق المهدي، كان من المتوقع أن يمر حزب الأمة بمرحلة انتقالية لإعادة هيكلته وتعزيز مؤسسيته. لكن ما حدث كان العكس تمامًا. الحزب لم يستطع تجاوز أزمة فقدان الزعيم، بل زادت الانقسامات الداخلية وتفاقمت الأزمة المؤسسية. القرارات الفردية التي يتخذها فضل الله برمة، دون مشاورة أو مشاركة من القيادات الأخرى، أدت إلى مزيد من التدهور.
الحزب الذي كان يُعتبر في يوم من الأيام أكبر حزب في السودان وأكثرها تمثيلاً للجماهير، أصبح اليوم يعاني من أزمة هوية. فبدلاً من أن يكون حزبًا مؤسسيًا يعتمد على قاعدة جماهيرية واسعة، تحول إلى كيان فردي يدور حول شخصية رئيسه، مما أدى إلى فقدان الكثير من مؤيديه وقاعدته الشعبية.
هل يمكن إنقاذ حزب الأمة؟
إنقاذ حزب الأمة يتطلب إعادة هيكلة جذرية تعيد للحزب مؤسسيته وتقلص من هيمنة الفرد على قراراته. يجب أن يعود الحزب إلى جذوره الجماهيرية ويعتمد على آلية ديمقراطية حقيقية في اتخاذ القرارات. كما يجب أن يتم تعزيز دور القيادات الأخرى داخل الحزب، مثل نائب الرئيس وأمين الحزب، لضمان مشاركة أوسع في صنع القرار.
بدون هذه الإصلاحات، سيستمر حزب الأمة في التدهور، وسيصبح مجرد ذكرى في تاريخ السودان السياسي. فالحزب الذي لا يستطيع أن يعكس إرادة قاعدته الجماهيرية، ولا يستطيع أن يعتمد على مؤسسية ديمقراطية، مصيره الزوال.
خاتمة
حزب الأمة، الذي كان في يوم من الأيام رمزًا للجماهيرية والمؤسسية، أصبح اليوم يعاني من أزمة وجودية بسبب غياب المؤسسية وهيمنة الفرد على قراراته. إذا أراد الحزب أن يعود إلى سابق عهده، فلا بد من إجراء إصلاحات جذرية تعيد له هيبته وتقلص من هيمنة الفرد على قراراته. وإلا، فإن مصيره سيكون الاندثار، ليصبح مجرد فصل من فصول تاريخ السودان السياسي.