المنوعات

تحديات ما بعد الحرب: كيف تضمن ولاية الجزيرة الشفافية والكفاءة في المشتريات؟…  الدكتور الصادق عبدالقادر في حديث تعزيز الشفافية في إدارة الموارد بولاية الجزيرة بعد الحرب

نمضي وفق رؤية استراتيجية لإعادة تأهيل المرافق وتحقيق التنمية المستدامة” وفق الضوابط القانونية لضمان سلامة المال العام”

“”” لجنة جبر الضرر: آلية مبتكرة لمعالجة المشاريع المتعثرة في ولاية الجزيرة”

مقدمة
في هذا الحوار، نستعرض تجربة إدارية متميزة في ولاية الجزيرة من خلال الحديث مع الدكتور الصادق عبدالقادر محمد خير، المدير الإدارة العامة للشراء والتعاقد والأصول والتخلص من الفائض يناقش الحوار الرؤية الاستراتيجية لإدارة الموارد وآليات ضمان الشفافية في ظل تحديات ما بعد الحرب، مع التركيز على التجربة المهنية الغنية والجهود المبذولة لإعادة التأهيل وتعزيز النزاهة.

حاوره :- تاج السر ود الخير

**من هو الدكتور الصادق عبدالقادر محمد خير، وما هي أبرز المناصب التي شغلها في ولاية الجزيرة، بالإضافة إلى مسيرته المهنية والأكاديمية؟

“أنا الدكتور الصادق عبدالقادر محمد خير، أعمل حالياً مديراً للادارة العامة للشراء والتعاقد والأصول والتخلص من الفائض بوزارة المالية والاقتصاد والقوى العاملة بولاية الجزيرة، وأشغل عدة مناصب قيادية أخرى منها رئاسة اللجنة العليا للمشتريات بالوزارة، ورئاسة لجنة جبر الضرر للمقاولين والشركات، كما أنني رئيس لجنة الموازنة للعام 2025. خلال مسيرتي الوظيفية التي بدأت عام 1991 م بالعمل في وكالة التخطيط الاقتصادي بالخرطوم قبل أن أنتقل إلى ولاية الجزيرة عام 1992، تدرجت في عدة مناصب إدارية ومالية واكتسبت خبرة واسعة في هذا المجال.

من الناحية الأكاديمية، حصلت على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة أم درمان الإسلامية، ثم دبلوم في الحاسوب ودبلوم عالٍ في إدارة الأعمال من جامعة الجزيرة، وأكملت مسيرتي التعليمية بالحصول على درجة الماجستير ثم الدكتوراه في إدارة الأعمال من نفس الجامعة، مع تركيز أبحاثي على التخطيط الاستراتيجي وتحديات التنمية في الولاية.

لا تقتصر مساهماتي على العمل الإداري فقط، بل أمتدت إلى المجال الأكاديمي من خلال التدريس وتدريب الكوادر في مجالات التخطيط والإدارة، كما أنني أركز حالياً على إدارة العمليات الشرائية الكبرى والأصول الحكومية وفقاً للقوانين، مع ضمان تطبيق الشفافية والكفاءة في المشتريات الحكومية لتحقيق التنمية المستدامة في ولاية الجزيرة.”

**كيف تضمن الإدارة العامة للشراء والتعاقد بولاية الجزيرة الشفافية والجودة في عمليات المشتريات والعقود، وما هي الآليات المتبعة لتحقيق ذلك؟

تعتمد الإدارة العامة للشراء والتعاقد بولاية الجزيرة نظاماً متكاملاً لضمان الشفافية والجودة في عملياتها. حيث تلتزم بتطبيق قانون الشراء والتعاقد للعام 2010 ولائحته التنفيذية الصادرة عام 2011، مع تحديد سقوف مالية واضحة يتم اعتمادها سنوياً من قبل وزير المالية.

تقسم الصلاحيات الشرائية وفق سقوف محددة، حيث تنفذ المحليات ووزارة الصحة مشترياتها ضمن سقف 15 مليون جنيه، اما الوزارات والوحدات الحكومية الأخرى سقفها لا يتجاوز ال 10 مليون جنيه بينما تختص الإدارة العامة للشراء والتعاقد تصل إلى 60 مليون جنيه. أما المشتريات التي تتجاوز هذا الحد فتحال إلى اللجنة العليا للمشتريات التي تضم ممثلين عن كافة الجهات ذات العلاقة بما في ذلك وزاراة التخطيط العمراني والكهرباء والمياه والطرق والمستشار القانوني للوزارة وممثل الأمن الاقتصادي بالوزارة وبالإضافة إلى خبراء فنيين متخصصين والمراجعة الداخلية وإدارة التنمية وتجتمع اللجنة أسبوعياً لدراسة العروض واتخاذ القرارات بناء على معايير الجودة والسعر والكفاءة.

تعتمد الإدارة نظام العطاءات المفتوحة والمحدودة لضمان المنافسة العادلة بين الموردين، مع نشر كافة المعلومات المتعلقة بالمناقصات بشكل علني. كما تشكل لجان استلام متخصصة للتحقق من مطابقة المواد المستلمة للمواصفات الفنية المتفق عليها.

كما أطلقت مؤخراً مشروعاً لحصر الأصول الثابتة المتغيرة وتقييمها والتخلص التآلف منها
وفق القانون واللائحة
**ما هي الإجراءات التي اتخذتها وزارة المالية بولاية الجزيرة ممثلة في ادارتك لإعادة تأهيل المرافق المتضررة إبان الحرب؟

“واجهنا تلفاً في بعض المعدات والأجهزة الهامة، خاصة في وزارة المالية كونها وزارة محورية. قمنا بالتعاون مع إدارة الشؤون المالية والإدارية بوضع خطة علاجية تتناسب مع الإمكانيات المالية المتاحة لضمان استمرار عجلة العمل وتنفيذ القرارات.”

“أصدر وزير المالية قراراً مهماً ينظم العمل في مرحلة ما بعد الحرب، حيث حدد السقوف المالية للوزارات والمحليات، وكلّف الإدارة العامة للشراء والتعاقد بالتعاون مع الإدارات المختصة لإعادة تأهيل المرافق المتضررة. هذا القرار يمثل تحدياً كبيراً لنا، حيث نسعى للجمع بين المرونة في التنفيذ والتزام الدقة في تطبيق القانون، خاصة في المشاريع الحيوية مثل المياه والكهرباء التي تحتاجها الولاية بشكل عاجل.”

“نقوم حالياً بعقد اجتماعات مكثفة لضمان تنفيذ هذه المهمة وفق أسس فنية موضوعية، مع الحفاظ على مبادئ الشفافية والمصداقية. وتجدر الإشارة إلى أن دور إدارتنا هو دور تنظيمي ولائحي، توطئة لابرام العقود بينما تقوم إدارات أخرى مثل إدارة التنمية بالجوانب التمويلية ومتابعة التنفيذ

“نحرص على معالجة جميع المعاملات في وقت مناسب، حيث أن مدة العطاءات العامة 15 يوم والعطاءات المحدودة أسبوع. نؤكد للجميع أن هذه الإجراءات ليست للتعطيل، بل لضمان التنظيم والشفافية واختيار الأكفأ لتنفيذ المشاريع، بما يخدم مصلحة الولاية ويعيد تأهيل ما تضرر من مرافق أساسية.”

**كيف تتعامل الإدارة مع الأوامر المباشرة التي قد تخالف ضوابط قانون الشراء والتعاقد؟ وهل سبق أن تلقيتُم أوامر من الوالي أو الوزير تتجاوز الإجراءات النظامية؟

“فيما يخص التعاقد المباشر، فهو إجراء صارم وشديد الضبط وفق القانون، ولا يُلجأ إليه إلا في حالات استثنائية محددة. كمثال على ذلك، تعاملنا مع مبنى الأراضي في 2012 الذي كان يعاني من مشاكل إنشائية خطيرة. هنا تدخلنا قانونياً وإدارياً، حيث كان أولويتنا الحصول على رأي فني من الجهات المختصة حول إمكانية الصيانة. القانون سمح لنا بالتعاقد المباشر مع المقاول المنفذ الأصلي بنسبة 15% من التكلفة الإجمالية، وذلك بناءً على اعتبارات فنية واقتصادية. هذا كان المدخل القانوني الوحيد الذي استخدمناه، وفي جميع الحالات الأخرى نلتزم بالضوابط القانونية دون تجاوز.”

“أما بالنسبة للأوامر المباشرة من الوالي أو الوزير، فموقفنا واضح: نلتزم بالقانون واللائحة. في السابق، تلقينا طلبات لتنفيذ مشاريع بأوامر مباشرة، لكننا أعدناها إلى الإطار القانوني. لحسن الحظ، فإن الوالي الحالي ووزير المالية يحترمان رأي اللجنة الفني والقانوني. ولم يحدث أن خرجت توصية من اللجنة العليا للمشتريات أو من إدارتنا ثم تم تنفيذها بشكل مخالف. نفتخر بأنه لم يتم كسر رأينا الفني أو القانوني في السنوات الأخيرة، مما حفظ هيبة القانون وسلامة الإجراءات.”

** كيف يتم حصر وتقييم الأصول الحكومية في ولاية الجزيرة بعد الحرب، وما أهمية ذلك في إطار الميزانية العامة وضمانات القروض؟

“في أعقاب الحرب، تم وضع برامج مؤسسية خاصة لحصر الأصول الحكومية وإعداد تقارير دقيقة عن المفقودات لتحديد حجمها وتقييم حالتها. حالياً، لدينا برنامج شامل لحصر الأصول في جميع مؤسسات ووزارات الولاية، حيث نقوم بجمع نسخ معتمدة من سجلات المفقودات.

تكتسي هذه العملية أهمية بالغة لأن الأصول تمثل ضمانات أساسية للولاية، خاصة عند التقدم بطلبات القروض التي تتطلب تقارير مالية موثوقة. كما أن عملية الحصر والتقييم تُعد متطلباً أساسياً لإدراج الأصول في الميزانية العامة للدولة، وذلك وفقاً للمعايير المحاسبية والقانونية.

نعمل حالياً على تعزيز هذه العملية من خلال آليات منهجية تضمن دقة الحصر وموثوقية التقييم، بما يخدم الشفافية المالية ويسهم في التخطيط الاقتصادي السليم للولاية.”

** نود أن نتعرف على لجنة جبر الضرر للمقاولين والشركات وآلية عملها في معالجة المشاريع المتعثرة في ظل الظروف الراهنة؟

لجنة جبر الضرر للمقاولين والشركات هي هيئة تنظيمية تستند في عملها إلى المبدأ الشرعي “لا ضرر ولا ضرار”، حيث تتبنى منهجية موضوعية في تقييم أسباب تعثر المشاريع دون تحميل طرف المسؤولية كاملة. تعمل اللجنة وهي مشكلة على نسق اللجنة العليا للمشتريات تعمل على تحقيق التوازن بين المصلحة العامة والخاصة، حيث يتم تحليل كل حالة على حدة لتحديد مسؤولية الأطراف، فإذا ثبت تقصير الجهة الحكومية تتحمل التعويض، وإن كان التقصير من المقاول يتحمل المسؤولية المترتبة.

في إطار عمل اللجنة، يتم معالجة نوعين رئيسيين من المشاريع: تلك التي تم التعاقد عليها ولكن لم يبدأ تنفيذها بسبب ظروف الحرب، والمشاريع التي بدأ تنفيذها ثم توقفت. بالنسبة للنوع الأول، يتم إعادة تقييمها عبر اللجنة العليا للمشتريات مع تحديث الأسعار وفق الأسس القانونية والاحتياجات الفعلية. أما المشاريع التي شهدت بدء التنفيذ، فتنظر اللجنة في مدى التقدم المحرز وتحدد التعويضات المناسبة.

تجدر الإشارة إلى أن اللجنة تعمل حالياً على صياغة معايير دقيقة ومتكاملة لضمان معالجة عادلة لجميع الحالات، حيث من المقرر عقد اجتماعات قريبة لاعتماد هذه المعايير من قبل الجهات المختصة، بما يضمن حقوق جميع الأطراف ويحفظ المال العام في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.

** من هم أعضاء لجنة جبر الضرر للمقاولين والشركات، وما هي الجهات الممثلة فيها؟

تتكون لجنة جبر الضرر من نفس الهيكل التنظيمي للجنة العليا للمشتريات، حيث يترأسها مدير الإدارة العامة للشراء والتعاقد. تضم العضوية والمقررية ممثلين عن الإدارة العامة للتنمية بما في ذلك شؤونها المالية والإدارية، بالإضافة إلى ممثلي الجهات الفنية ذات الصلة مثل مباني وطرق وكهرباء وغيرها من الجهات المتخصصة
يشارك في أعمال اللجنة رؤساء قطاعات من الإدارة العامة للشراء والتعاقد والإدارة العامة للتنمية، كما يضم تشكيلها المستشار القانوني للجنة، بالإضافة إلى ممثل عن الأمن الاقتصادي الذي يشترك أيضاً في عضوية اللجنة العليا للمشتريات. هذا التشكيل الشامل يضمن معالجة متكاملة لقضايا جبر الضرر من جميع الجوانب الفنية والقانونية والمالية.

** هل واجهتم أي قضايا قانونية مع المقاولين أو الشركات وصلت إلى المحاكم في إطار أعمال لجنة جبر الضرر؟

بحكم التخصص فإن هذه القضايا ليست ضمن اختصاصنا المباشر، حيث تقع مسؤولية المتابعة القانونية على عاتق الإدارة العامة للتنمية والمستشار القانوني. أما فيما يخص دورنا كإدارة عامة للشراء والتعاقد، فإن مهامنا تنتهي عند مرحلة تصديق المشتريات، ثم تنتقل الملفات إلى مرحلة التعاقدات والتنمية.

** ولكن في سياق لجنة جبر الضرر تحديداً، هل اضطررتم للجوء للقضاء مع أي من الأطراف؟

لم يحدث هذا مطلقاً، لأننا نعمل وفق معايير واضحة ومبادئ الشفافية المستمدة من القاعدة الفقهية “لا ضرر ولا ضرار”، وهذا النهج حال دون حدوث أي نزاعات تستدعي اللجوء للقضاء.

** ماذا عن عمارة الإمارات وما يثار حولها من تساؤلات بخصوص خفض قيم الإيجارات؟

هذا الموضوع يقع خارج نطاق مسؤولياتنا المباشرة، حيث أن الجهة المعنية به هي الإدارة التابعة للشؤون المالية والإدارية والتي ترتبط بوزارة المالية. أما من الناحية الإدارية، فإن العمارة تتبع نظاماً محدداً حيث يتم حصرها وإدارتها ضمن الأصول العامة، بينما تدخل إيراداتها ضمن موازنة إدارة الشركات التابعة للوزارة.

** كيف تم إعداد موازنة الولاية خلال فترة الحرب وما آلية العمل المتبعة؟

خلال فترة الحرب، تم تكليفي بإعداد موازنة طوارئ خاصة بظروف الحرب، حيث حرصنا على استمرار العمل بموازنة مجازة رغم كل الصعوبات. تم إجازة هذه الموازنة الاستثنائية في مدينة المناقل. وبعد انتهاء الحرب وعودة الأوضاع إلى طبيعتها، تشكلت لجنة خاصة للموازنة لوضع إطار مالي واقعي للولاية، مع الالتزام الكامل بالقوانين واللوائح المصاحبة. ركزنا في هذه الموازنة على تنمية مصادر الإيرادات وفق الأطر القانونية، مع إعطاء أولوية قصوى لمشاريع التنمية وضمان تمويلها بشكل سليم.

** هل لديكم كلمة أخيرة تودون توجيهها؟

أود في الختام أن أعبر عن تقديري لجهودكم المبذولة في إبراز أنشطة واختصاصات الإدارة العامة للشراء والتعاقد واللجان التابعة لها. أؤكد أن دور إدارتنا يتركز على وضع الأطر التنظيمية وليس على سداد المطالبات المالية. نعمل دائمًا ضمن الإجراءات القانونية مع الحفاظ على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين مثل المياه والكهرباء والطرق. نلتزم بتنفيذ كل ما يسمح به القانون لضمان مصلحة المواطن وتحقيق التنمية المستدامة للولاية.

**أخيراً

يبرز هذا الحوار التزام الإدارة العامة في ولاية الجزيرة بالعمل وفق الضوابط القانونية والشفافية كأساس لحماية المال العام. تظهر التجربة قدرة على التكيف مع الظروف الاستثنائية مع الحفاظ على المعايير المهنية، من خلال منهجية متوازنة تجمع بين متطلبات التنمية وضرورات الحفاظ على الموارد. تؤكد المسيرة المهنية للدكتور الصادق على أهمية التكامل بين الجانبين النظري والعملي في إدارة موارد الولاية، مع التركيز على تحقيق العدالة بين جميع الأطراف في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى