النذير إبراهيم العاقب يكتب… العنصرية.. دعوها فإنها مُنتِنَة!!
ولعلنا حينما نُعيد بين الفَينَة والأُخرى الطرق على دا العنصرية القبلية الذي إستشرى وسط مجتمعاتنا السودانية بلا إستثناء، وبشكل مُخيف وأفسد في مجتمعنا وإنتشر وأضرَّ بشكل مرعب، والمؤسف أنه يتزايد ويتسع خرقه على الراقعين، ومع ذلك فالأمل في الله كبير أن يُشفِي من إبتُلِيَ بهذا الداء العضال.
ولعلنا الآن في حاجة ماسَّة لتضافر الجهود لمقاومة إستشراء دعوات العنصرية التي تزيد إلتهاب هذا الداء المُنتِن اللعين.
ولا يخفى علينا أن أعداءنا يخططون للوصول إلى غاياتهم المنشودة، والتي أصبحت ظاهرة مكشوفة وتُرى بالأعين وتُشاهد وتزداد وضوحاً بمرور الأيام، وبلا شك أن صاحب هذا الهدف وتلك الغاية يسعى للوصول إلى غايته عبر أفضل وأقرب الوسائل وأيسر الطرق والأساليب، فهل أدركنا وأدرك هذا المجتمع على إختلاف أفراده أن أعداءهم أجادوا وأتقنوا استخدام وسيلة إثارة العنصرية والنعرات القبلية وسطنا لتحقيق أهدافهم من تمزيق المجتمع وتمرير مخططاتهم.. حتى رأوا نتائج مآربهم على الواقع؟!.
وهل علم الكثيرون الذين تبِعوا هذه الموجة أنهم قد تم استغلالهم فزُيِّنَت لهم أشياء بغيضة، وتم تسليط الضوء عليها لأنها فتيل يسهل إشعاله.. ويستمر ويكبر إحراقه ودماره؟!.
وهنا فليعلم الكُل، أن الدعوة إلى إثارة القبلية والعنصرية هي من أكبر مخططات الأعداء لتفتيت السودان وإثارة الحروب والدمار فيه، وإيقاد نيران الحرب في جهاتها المختلفة.
وللأسف أن قضية العنصرية القبلية أصبحت الآن تحتل حيِّزاً واضحاً في قاموس التعامل العام، وفي كل أرجاء السودان، بل وتُستَثمَر إستثماراً سلبياً كبيراً، ومن المؤسف حقاً أن تجد أرضاً خصبة ينبت فيها نبتها السيء وسط مجتمعاتنا، وبالتالي يُفضي ذلك لاستعصاء المسائل وتصعيب الحلول، وزيادة أوار كثر اللهيب، والذي بلاشك يُضي لتناثر الشرر المفضي إلى حرق وتضييع وإفساد الحرث والنسل.
والمتابع بحق للواقع المعاش الآن في عموم مجتمعاتنا السودانية يجد أن دعوات العنصرية تمكنت من الكثيرين وهزمتهم شر هزيمة، والأسف الأشد حقاً أن من أكثر المنهزمين لهذه الدعوة المنتنة بعض من يوصفون بالمثقفين والمتعلمين، ولك أن تتصفح عشرات المواقع والمنتديات الإلكترونية لترى ما تشيب بسببه الرؤوس، وعندها تيقن بأن عدونا ومن يشمت بنا قد أحسن إستخدام الوسيلة الأنجع لتفتيت وتفريق المجتمع السوداني وهو فِرِحٌ مسرور بما يرى من نتائج كارثية، وما يشاهده من سرعة تحقيق أهدافه كسرعة إنتشار النار في الهشيم.
والأغرب من كل ما سبق أن الصغير قبل الكبير في مجمعاتنا هذه قد عرِفَ موقف الإسلام من الدعوة إلى العنصرية وحسمه ودوائه لدائها الفتاك، وقول رسولنا الكريم، (دعوها.. فإنها مُنتِنة)، إلا أن الكثيرين قد إستجابوا لدعوات إثارة العنصرية والكراهية، وأصبحت الدعوات السلبية شغلهم الشاغل، فكانوا في وادٍ وتوجيهات الإسلام والشرع في هذا الأمر في وادٍ آخر.
وهنا يبرز تساؤل مهم.. من يا تُرى المستفيد من إثارة العنصريات والقبليات والقذف بالأنساب والطعن فيها وتقطيع المجتمع المسلم بذلك؟!.
وللإجابة على هذا السؤال يجب أن يُدرِك الجميع أن البيئة التي ينتشر فيها داء العنصرية القبلية يكون الجميع فيها خاسر، ولك هنا أن ترى أو تسمع أو تقرأ حواراً بين شخصين عنصريين، لِتُدرِك ما نريد شرحه.. فهذا يقول للآخر يا جلَّابي كمثال، ويرُد عليه الآخر بقوله يا غرباوي، وآخر يُعيِّر الثاني بقوله يا رطَّانِي، ويَرُد عليه الآخر يا عربي.
وهكذا الحال.. قذفٌ بعنصرية جاهلية.. فتجد أن من يشكو من العنصرية يرد على الآخر بعنصرية هي أكبر من أختها، وهو بعينه الدواء بنفس الداء، فيزداد المرض فتكاً بصاحبه، وفتكاً بالمجتمع الجريح المكلوم، وهو موقف متكرر بين المصابين بمرض العنصرية في سوداننا المكلوم، جرَّاء تبادُل إطلاق عبارات عنصرية جاهلية مُنتِنَة، وفي النهاية لا يوجد من يفيد من هذا الأمر إلا العدو الذي أجاد تزيين الأمر وإشعاله بينهم.
وبعد كل ما سبق، هل نطمع في وعي وإدراك لخطورة هذه القضية الحساسة الشائكة والتي تعتبر من أهم وسائل أعداء المجتمع؟!.. وهل نتوقع أن يفيق المصابون بها ممن وقعوا في هذا الشَرَك المحكم ويتخلصوا من نتانتها؟!.
وحقاً، نطمع من الكل العودة لتحكيم صوت العقل، وبذل الأسباب والجهد وإعمال الحِكمة، لتفويت الفرصة على أعدائنا حتى ننعم بحياة طيبة ومجتمع متماسك وسليم مُعافى من سُبُل وأسباب إشاعة البغضاء والفُرقة والشتات، وأملنا لا تحده حدود في تفعيل المصلحين المجتمعيين لعقولهم والإسترشاد بِقِيَم ومُثُل ديننا الحنيف الذي حسم هذه القضية قبل 2035 عاماً مضت، وقطع نبتها الخبيث واجتثها من أُصولها العميقة، وحذَّر منها أشدَّ تحذير، وشنَّع بمن يقع فيها، ووصفه بأوصاف ذميمة.
ولتأكيد ذلك، ليس أدل من بُغض العنصرية وأنها داء لا دواء له، أن ربنا الكريم سبحانه وتعالى قطع دابر هذا البلاء الذي يقطع الصِلَات الحميمة، وتمتلئ به القلوب بالشحناء والبغضاء والكراهية، وبسببه يزداد الغل إلى أن يبلغ مراحل الفتنة والقتل والدمار والخراب، من خلال قوله.. (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، و(لا يسخر قوم من قوم.. إلخ) و(ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان)، وأيضاً (خلقكم من نفس واحدة وجعل بينكم مودة ورحمة.. إلخ).. فهل بعد كل ما سبق سيستجيب المجتمع لهذه النداءات العظيمة؟!..، وهل يستجيب لدعوة الشرع والحكمة والعقل ومن ثم ينبُذ كُلُّ من إبتُلِيَ بداء العنصرية القبلية ويعتصم بأوامر وتوجيهات الكتاب والسنة الداعية لتآلف المجتمع وتآزره وتماسكه، ويضع الكل المصلحة العامة في مصاف التعامل بينهم؟!.. وبالتالي يركلون الفخر بالأحساب والأنساب والإنتصار للقبليات، ويضعونها في مكانها الذي وضعه الإسلام.. تحت الأقدام؟!.. لاسيَّما أن من أهم أسباب نصرة النبي عليه الصلاة والسلام وإنتشار هذا الدين الحنيف، ورغم محاولات أعدائه من اليهود والنصارى والمشركين والمجوس والمنافقين هو إجتماع كلمة المسلمين وموالاتهم لبعضهم البعض ورحمتهم ببعضهم، والأُخوَّة التي تحققت بينهم واستندوا عليها، عقب إلتزامهم بتأكيدات رسولنا الكريم أن إثارة القبلية من أكبر مهددات المجتمع وفساد حياته الطيبة، ومن ثَم سهولة نصرة أعدائه عليه.. فبلَّغ في ذلك، كما في غيره البلاغ المبين، وأوضح الأمر وفصَّل فيه بما لا يُبقِى به حُجَّة لمن يقع في هذا المستنقع الآسِن المُظلِم المُدَمِّر.. وهو الدرك الذي تضيع به حسنات صاحبه فيتضرر المجتمع كافة.. ومن ثم يسهُل التفريق به بين الناس فيتضرر المجتمع كافة بلا إستثناء.
ويكفي قوله عليه الصلاة والسلام.. (ليس مِنَّا من دعا إلى عَصَبِيَّة، وليس مِنَّا من قاتَل على عَصَبِيَّة، وليس مِنَا من مَات على عَصَبِيَّة) رواه أبو داؤود.. وكفَىٰ.. ألا هل بَلَّغت.. اللهم فاشهد.