الغرب يريد القضاء على الإسلام بما يسمى (العلمانية)!!
مقال يكتبه للظهيرة :
د.محمد عبدالله كوكو
باحث ومفكر اسلامي
الدولة الإسلامية منذ نشأتها الأولى في المدينة المنورة، كان القرآن على الدوام هو دستورها، وهو المرجع الذي يعود إليه الجميع في الحكم، وكانت السنة مصدرا مكملا له، ثم صار الفقه الذي نشأ عنهما والتفقه فيهما هو المدونة التي يرجع إليها القضاة للبث في النزاعات بين الناس. ولم تكن فكرة العلمانية وفصل الدين عن الدولة حاضرة في تلك البلدان قبل هذا الوقت.
وبعد سقوط الدولة العثمانية، التي كانت آخر دولة مركزية إسلامية، ظهرتْ دويلات إسلامية، تم تشتيتها إلى دويلات قطرية، لكل واحدة نظامها الخاص، وكل دولة تحتكم إلى مرجعية معينة، وإن كان الإسلام لم يغب تماما عنها، رغم أن المتآمرين على هذه الأمة قاموا بكل ما يستطيعون من أجل القضاء على حضور الدين في تسيير الدولة نهائيا، وبأي ثمن، حتى يُصبح هذا المجتمع غير قابل للاستنهاض مرة أخرى. والاستنهاض يأتي دوما من فكرة مركزية، وهي الفكرة الدينية في سياقنا الإسلامي.
من هنا، حاول الأعداء تخسيس هذه الفكرة في نفوس الناس حتى يسهل ابتلاعهم من طرف الحضارة الغالبة، كما وقع لشعوب أخرى في الأمريكيتين الوسطى والشمالية وفي أمريكا الجنوبية، حيث لم تبقَ أية ملامح لحضارة تلك الشعوب، بل انصهر الجميع في الحضارة الغربية، وأصبحوا يتحدثون باللسان الإنجليزي أو الإسباني. وهذا الأمر لم يستطيعوا تحقيقه في الحالة الإسلامية، إذ رغم سقوط الدولة العثمانية ظلت الفكرة الدينية مستمرة في الوجود. ولعل من أسباب ذلك، ظهور عدة مفكرين كانت لهم نزوع إصلاحية وتجديدية، أسهموا في وجود هذه الفكرة وتعهدها، بالإضافة إلى تشبث الشعوب العربية والإسلامية بموروثنا الديني والثقافي.
فهذه الحركات التجديدية كان لها فضل كبير في إحياء الفكرة الدينية في نفوس الناس، وجعلهم يُقبلون عليها. لكن، وبالرغم من ذلك، فالغرب بدوله وإعلامه ومؤسساته، ما زال يحارب الإسلام، دينا ومنهجا وفكرة، ويرى فيه العدو الأكبر لمشروعه الرأسمالي الذي يطمس الهويات ويمحوها. وما الحرب في السودان و غزة في سياقنا الحالي إلا مثالا على ذلك، خصوصا أن حكومة غزة ناتجة عن اختيار شعبي، بعد انتخابات نزيهة، والتي تلاها ما تلاها من حصار وتضييق على الناس وتقتيل لهم في تلك البقعة المباركة.
في الواقع، هناك معطيات فكرية واستراتيجية تجعل الغرب يرفض فكرة عودة الإسلام إلى الحياة في المجتمعات الإسلامية، أعني الإسلام الفاعل الذي يُنظم كل شيء في حياة الأفراد والمجتمعات، من أعلى قمة النظام في الدولة إلى أقل جزئية في حياة الفرد. ولعل المعطى الأول الذي يأتي في صدارة هذه المعطيات هو أن العالم منذ أزيد من عقد وهو يتحول من أحادي القطب إلى متعدد الأقطاب.
وهذا الأمر بلغ أوجه في السنوات الأخيرة، ويُعبِّر عنه التمرد الروسي وحربها على أكرانيا رغم تهديدات حلف الشمال الأطلسي، المعروف اختصارا بالنيتو، بالإضافة إلى الصعود الصاروخي للتنين الصيني. وهذا يتيح للدول الإسلامية أن تختار شركاءها بإمعان، ولم تعد مضطرة لشراكة واحدة مفروضة. وهو ما يوفر متنفسا للأمة الإسلامية، وهامش مناورة في شراكاتها مع الدول الأخرى يمكن أن تبني عليها مشاريعها المستقبلية.